للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرد على شبهة متأخري المشركين بأنهم يشهدون الشهادتين ويصلون فلا يسوغ تشبيههم بالمشركين الأولين]

ثم قال رحمه الله: [وإذا تحققت أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصح عقولاً وأخف شركاً من هؤلاء فاعلم أن لهؤلاء شبهة يوردونها على ما ذكرنا، وهي من أعظم شبههم، فأصغ بسمعك لجوابها، وهي أنهم يقولون: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله، ويكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم، وينكرون البعث، ويكذبون القرآن، ويجعلونه سحراً؛ ونحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونصدق القرآن، ونؤمن بالبعث، ونصلي ونصوم؛ فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟] .

هنا عاد الشيخ رحمه الله إلى ذكر شبهة عظيمة عند هؤلاء، وهي الشبهة الحادية عشرة، وهي أنهم قالوا: كيف تنزلون الآيات التي وردت في قوم يكذبون الرسول، ويحاربونه، وينكرون البعث، ولا يشهدون بألوهية الله سبحانه وتعالى على قوم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويؤمنون بالبعث، ويفعلون ما يفعلون من شرائع الإسلام؟ كيف تُسوون بين هؤلاء وأولئك؟ وهذه من الشبه الكبار التي أثارها مسوغو الشرك على الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فإنهم اتهموه بتكفير المسلمين، والمسلمون الذين يعنون في قولهم: (يكفر المسلمين) هم عبدة القبور، والذين يصرفون العبادة لغير الله بالذبح أو النذر أو غير ذلك من أنواع العبادة التي يصرفونها للأولياء المزعومين.

هذه الشبهة من الشبه الكبار؛ ولذلك قال الشيخ رحمه الله في بداية جوابه: [فالجواب: أنه لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء وكذبه في شيء أنه كافر لم يدخل في الإسلام، وكذلك إذا آمن ببعض القرآن وجحد بعضه؛ كمن أقر بالتوحيد، وجحد وجوب الصلاة، أو أقر بالتوحيد والصلاة، وجحد وجوب الزكاة، أو أقر بهذا كله وجحد الصوم، أو أقر بهذا كله وجحد الحج، ولما لم ينقد أناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم للحج، أنزل الله في حقهم {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:٩٧] .

ومن أقر بهذا كله وجحد البعث كفر بالإجماع، وحل دمه وماله، كما قال جل جلاله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً} [النساء:١٥٠-١٥١] ، فإذا كان الله قد صرح في كتابه أن من آمن ببعضٍ فهو الكافر حقاً، وأنه يستحق ما ذكر زالت هذه الشبهة، وهذه هي التي ذكرها بعض أهل الأحساء في كتابه الذي أرسله إلينا] .

هذا جواب الشيخ على هذه الشبهة، وملخص الشبهة: كيف تنزلون الآيات التي أنزلها الله سبحانه وتعالى في المشركين الذين أنكروا البعث، وكذبوا الرسول، ولم يقروا لله سبحانه وتعالى بالألوهية؟ على قوم أقروا بذلك كله؟ يقول رحمه الله: (فالجواب: أنه لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء وكذبه في شيء أنه كافر لم يدخل في الإسلام) إذاً: الجواب على شبهتهم، أولاً: أن إجماع أهل العلم انعقد على أن من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في شيء وكذبه في شيء مما أخبر به فإنه لا ينفعه تصديقه بل هو كافر.

إذاً: هذا أول ما أجاب به الشيخ، وهو نقل إجماع أهل العلم على أن من كذب بشيء جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كافر.

ثم قال: (وكذلك إذا آمن ببعض القرآن وجحد بعضه، كمن أقر بالتوحيد وجحد وجوب الصلاة، أو أقر بالتوحيد والصلاة وجحد الزكاة، أو أقر بهذا كله وجحد الصوم، أو أقر بهذا كله وجحد الحج) أي: وكذلك أجمع أهل العلم أنه إذا آمن ببعض القرآن وجحد ببعضه فإنه كافر، فقوله: (كذلك) يعني: في الحكم، فإنه قد أجمع أهل العلم على أنه من آمن ببعض الكتاب وجحد بعضه فقد كفر ثم بدأ بذكر الأمثلة كمن أقر بالتوحيد وجحد وجوب الصلاة، أو أقر بالتوحيد والصلاة وجحد الزكاة، أو أقر بهذا كله وجحد الصوم أو أقر بهذا كله وجحد الحج.

<<  <  ج: ص:  >  >>