للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ضلال من خالف التوحيد عن علم مجاراة لأهل بلده]

يقول رحمه الله: (وهذا يغلط فيه كثير من الناس، يقولون: إن هذا حق) يعني: ما ذكرنا من وجوب إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، وأن هذا الذي جاءت به الرسل، يقولون: إن هذا حق، ونحن نفهم هذا، ونشهد أنه الحق، ولكنا لا نقدر أن نفعله، ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم، فيُسوغون وقوع الشرك منهم بهذا الذي ذكروه من أن هذا لا يجوز عند أهل بلدهم، وأنه لا يوافق أهل بلدهم إلا بموافقتهم على الشرك أو غير ذلك من الأعذار! قال رحمه الله: (ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق) ، فمعرفة الحق ليست هي المطلوبة فقط، بل المطلوب معرفة الحق والعمل بمقتضاه؛ ولذلك قال: غالب أئمة الكفر يعرفون الحق كما قال تعالى عنهم: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل:١٤] ، واليقين مُنتهى العلم لكن جحدوها فلم تنفعهم هذه المعرفة ولا هذا اليقين، يعرفون الحق ولم يتركوه إلا لشيء من الأعذار، وتختلف أعذار الناس؛ فمن الناس من يعتذر بالقبيلة وبالعشيرة، ومن الناس من يعتذر بالأهل، ومن الناس من يعتذر بالبلد، ومن الناس من يعتذر بالمال والجاه والمنصب، ومن الناس من يعتذر بالضعف، وما إلى ذلك من الأعذار، فتعددت الأعذار والمآل أو المنتهى واحد، وهو عدم القيام بما فرض الله سبحانه وتعالى من وجوب إفراده بالعبادة كما قال تعالى: {اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً} [التوبة:٩] فهم يعرفون آيات الله سبحانه وتعالى إلا أنهم استبدلوا بهذه الآيات البينات ثمناً قليلاً بخساً، فأخذوا هذه الدنيا عوضاً عن جنة عرضها السماوات والأرض.

يقول: وغير ذلك من الآيات كقوله: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:١٤٦] أي: يعرفون الحق ويعرفون صدق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم.

الآن انتهينا من القسم الأول، وهو أن التوحيد لابد فيه من المعرفة مع العمل، فلا يكفي في التوحيد المعرفة فقط، حتى لو كان معتذراً بالمعاذير التي ذكر.

(فإن عمل بالتوحيد عملاً ظاهراً وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه؛ فهو منافق، وهو شر من الكافر الخالص: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:١٤٥] ) ، فمن أظهر الإيمان، والتزم شعائر الإسلام إلا أنه لم يقرَّ بذلك قلبه، ولم يرسخ ذلك في قلبه، فإن ذلك لا ينفعه، إذ أنه ممن حسن ظاهره، وخبث باطنه، والله سبحانه وتعالى إنما يطلع ويحاسب العبد في الأصل على قلبه، وما يظهر من الجوارح هو فرع عما في القلب: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) ، هذا في الأصل، وأعمالكم في الفرع، فلابد من إقامة الباطن وإقامة الظاهر على ما يحبه الله سبحانه وتعالى ويرضاه.

قال رحمه الله: (فهو منافق، وهو شر من الكافر الخالص) ، لاشك أن دلالة القرآن على أن المنافقين شر من الكفار ظاهرة، فالله سبحانه وتعالى أخبر عن عذاب الكفار إلا أنه خص المنافقين بقوله جل وعلا: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:١٤٥] .

<<  <  ج: ص:  >  >>