للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عدم قبول الله عز وجل لعذر من ناقض توحيده عن قصد وإرادة]

ثم قال رحمه الله: (وهذه المسألة مسألة طويلة، تتبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس، ترى من يعرف الحق ويترك العمل به لخوف نقص دنيا أو جاه أو مُداراة لأحد، وترى من يعمل به ظاهراً -يعني: بالدين- لا باطناً، فإذا سألته عما يعتقد بقلبه فإذا هو لا يعرفه، ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب الله) ، يعني: هاتين الآيتين من كتاب الله توضح لك صدق ما تقدم من وجوب الإقرار بالتوحيد ظاهراً وباطناً، وأنه لابد فيه من قول القلب وعمل القلب، وقول اللسان وعمل الجوارح.

قال رحمه الله: (أولاهما قوله تعالى: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٦] فإن الله سبحانه وتعالى لم يقبل منهم عذراً بعد أن وقع منهم ما يناقض التوحيد، فأبطل عذرهم ورده عليهم.

قال الشيخ رحمه الله: (فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه اللعب والمزح تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر ويعمل به خوفاً من نقص مال أو جاه أو مداراة لأحد أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها) كان هذا أعظم لأنه تبين له الحق وعرفه وخالفه عن قصد وإرادة جازمة، وأما الذي يمزح فهو هازل فهو دون ذلك الذي قصد المخالفة وعلم بعاقبتها، وهو ما خالف هازلاً ولاعباً، وليس كالذي خالف قاصداً عازماً جازماً، فينبغي للعبد أن يحذر الكفر، وألا يعتذر لنفسه في مواقعة الكفر بأي عذر كان، بل يجب عليه أن يقلع عن الكفر، وقد قال الله سبحانه وتعالى في انتفاء العذر عمن تبين له الحق وعرفه: {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة:١٤-١٥] ، فقد تغش الناس بأعذارك، وقد يعذرك الناس بظاهر حالك أو بحسن بيانك وقولك، ولكن الله الذي يطلع على السرائر، قد قالها في كتابه جل ذكره: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٦] ، فالكفر لا تقبل فيه الأعذار؛ ولذلك ينبغي على العبد أن يتقي الله سبحانه وتعالى، وأن يحذر الشرك صغيره وكبيره، فإن الشرك أعظم الظلم كما تقدم بيانه في غير هذا الموضع.

<<  <  ج: ص:  >  >>