للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كيف نقضي رمضان في مكة؟]

وأنبِّه -أخيراً- إلى بعض البرامج التي بموجبها نعرف كيف نقضي رمضان في مكة: يجب أن نستشعر الآن أننا -ولله الحمد- في شهر عبادة، والحمد لله لَمْ تَمَلِّ النفوسُ هذه العبادة، ونسأل الله كما تلذذنا بالعبادة أن نتلذذ برؤية وجهه الكريم، وهذا من أعظم اللذائذ لأهل الإيمان، وألا يحرمنا لذة النظر إلى وجهه.

فنقول: إذا انطلقنا إلى مكة فسيجتمع زمان فاضل، ومكان فاضل، وعند بيت الله الحرام، فيكون الأَولى بنا أن نكثف الجهد، فإذا كثفنا الجهد في هذا الزمان وهو رمضان، فلا بد -إذا وصلنا إلى الأماكن المقدسة- أن نزداد عبادة وتقوى وصلاحاً.

وهنا ينبغي للمسلم أن يبرمج له وقتاً.

الأمر الأول: استغلال بعد الفجر في حضور المحاضرات:- فمن ذلك الذي ينبغي أن يحرص المسلم عليه: بعد الفجر، فبعض الناس في ماذا يقضونه؟! أحب -أولاً- أن أنبِّه إلى ملحوظة وهي أن المسجد الحرام يجمع مِن الأحبة والأصدقاء والزملاء مَن لا يُرَى لأشهرٍ وسنوات، فبعض الناس يجلس في صحن الحرم، ويصبح (راداراً) يلتفت يَمْنَةً ويَسْرَةً حتى إذا وجد من يقول له: السلام عليكم، ردَّ: وعليكم السلام، ثم يسأله: كيف حالك؟ وحال الوالدة والإخوان؟! فتذهب منه عشر دقائق، ثم يجلس قليلاً، ثم يلقى شخصاً آخرَ يقول له: السلام عليكم، فيرد: وعليكم السلام، فتذهب عشر دقائق أوربع ساعة، ثم يأتي الثالث، وهكذا يقضي نهاره وليله في سلام وتعارف، وليس معنى هذا أنه لا يحصل على الأجر، لا، بل في ذلك أجر السلام والتعرُّف وغيرهما؛ لكن ينبغي أن يكون هناك تكثيف في العبادة، ففي الصلاة أين التكثيف؟! وفي قيام الليل أين التكثيف؟! وفي قراءة القرآن أين التكثيف؟! وفي حضور حلقات العلم أين التكثيف؟! فنقول: بعد صلاة الفجر توجد حلقات للعلم، فلينطلِق المسلم إلى تلك الحلقات.

وبعض الناس يحضر إلى تلك الحلقات، فيبحث عن جدار أو عمود من أعمدة الحرم، ثم يضع ظهره ورأسه، ثم يجلس ليستمع، فينام.

وبعض الناس قد يتكلم ويسأل وهو في حلم، لا يدري ما الناس فيه.

وبعضهم قد ينادي، والناس يلتفتون يَمْنَةً ويَسْرَةً ينظرون ماذا يقول هذا؟! وإذا هو يغط في نوم عميق، ثم يقال له بعد طلوع الشمس: صباح الخير، نحن -ولله الحمد- ما فاتتنا أيَّةُ حلقة من حلقات الحرم.

وإذا به هو ما فاته أيُّ نوم في الحرم.

فهو بحضوره الآن حلقات العلم لم يستفد.

فينبغي للمسلم أن يحضر الحلقة ليستفيد.

الأمر الثاني: تقييد فوائد المحاضرات:- وأحب أن أنبِّه -أحبتي في الله- إلى أنه ينبغي لنا إذا حضرنا محاضرةً أو درساً أن تكون معنا مثل هذه الحقيبة، وأنا لستُ مشجعاً لشراء مثل هذه؛ لكن أقول: يكون مع الإنسان حقيبةٌ يوجد فيها دفتر صغير، فيُقَيِّد الفوائد، حتى إذا خرج من المحاضرة استفاد علماً، فيأتي إلى أهله فيقول: هذه من فوائد الحرم التي استفدتها.

أما أن يكون من فوائد الحرم النوم والسفرة فحدِّث ولا حرج! بعض الناس -هداهم الله- يقضون بعد الفجر في النوم، فهم يُسَمَّون معتكفين، واعتكافُهم طيِّبٌ؛ لكن الاعتكاف هو: لزوم المسجد لطاعة الله، فهذا لَزِمَ المسجد للنوم في الله، فماذا يحدث؟! إذا سَلَّم الإمام بَسَطَ ما معه من الفرش فنام.

وإذا استيقظ في الظهر صلى، ثم إذا سَلَّم الإمام مَدَّ رجليه وتغطى بإحرامه.

وإذا صلى العصر فثيابه معلقة ومعه إزاره ورداؤه، وجلس كأنه في غرفة نوم.

فأصبح المسجد للنوم وليس للعبادة.

وهذا من الخطأ والجهل.

وقد لاحظتُ مثل هذا في العام الماضي، وأحببتُ أن أنبِّه إلى أن بعض المعتكفين لا يعرفون ثمرةَ الاعتكاف! الاعتكاف هو لزيادة الإيمان، ولتكثيف طاعة الله، ويبقى بعضُ الناس في مشقة، فإذا قلتَ له: لماذا لا تقرأ القرآن؟! قال: والله أنا مرهق، ورأسي تعبانٌ! إذاً -يا أخي-: لا تعتكف، اجلس في فندق فيه (مكيفٌ) أو في مكان طيب، حتى إذا جئتَ إلى الحرم شعرتَ بلذة الصلاة، وبلذة قيام الليل، وبلذة قراءة القرآن، وبلذة حضور حلقات العلم.

فالاعتكاف شُرِع لزيادة الإيمان.

فنقول لهذا الأخ: إذا اعتكفتَ فليزدد إيمانُك، لا أن تصبح متسخطاً، فبعض الناس يدخل في الاعتكاف ثم يقول: تورطت، ليتني ما دخلت؛ ولكن أعتكف هذه المرة، وبعدها -إن شاء الله- لا أفعل شيئاً! فنقول: كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتكف في العشر الأواخر ويبقى في المسجد ما بين ذكرٍ، وقراءةٍ، واستغفارٍ وغير ذلك، فإن هذا من الخير.

الأمر الثالث: استغلال قبل الشروق في الطواف أو قراءة القرآن وأذكار الصباح:- إذا جلس المسلم بعد صلاة الفجر فلينتظر إلى طلوع الشمس، ويمكنه أن يقضي هذه الفترة في الطواف، فإن ذلك من الأجر، أو في قراءة القرآن، ولا ينسى أذكار الصباح والمساء، فإنها من الأمور المهمة.

الأمر الرابع: صلاة الضحى عند الشروق:- فنقول للمسلم: إذا طلعت الشمس فصَلِّ ركعتين، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى لله ركعتين، كُتِبَ له أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة) .

إذاً الحمد لله الذي يسر هذا الشيء.

الأمر الخامس: استغلال بعد الشروق في بعض حلقات العلم:- فبعض حلقات العلم تستمر بعد طلوع الشمس، فإن كان الإنسان عنده نشاط وقدرة فليحرص على أن يمكث زيادةً، فكلما جلس في المسجد الحرام فوالله إن فيه الخير.

الأمر السادس: استغلال وقت الظهيرة في الطواف، وإن كان زحاماً ففي قراءة القرآن، أو حضور حلقات العلم:- وأحب أن أنبه على مسألة: بعض الناس يأتون في أوقات الزحام للطواف؛ لكني أقول: يمكن للمسلم أن ينام، فيستيقظ قبل الظهر بنصف ساعة، أو بساعة كاملة، أو بساعة ونصف، ثم يطوف.

وقد يقول الإنسان: الطواف في فترة الظهيرة يكون في وقت حارٍّ والشمس فيه حارَّة.

فنقول: جَرَّبَهُ الكثير، فإن المسلم إذا أخذ دُشَّاً من الحمام البارد، فسيصبح جسدُه مُبَرَّداً، فيطوف في وقتٍ لا يستطيع الناس الطواف فيه؛ لأن بعضهم في هذا الوقت يكون جالساً في الحرم وجسمه عَرِقٌ ومتعب ومرهقٌ ولا يستطيع أن يطوف؛ لكن إذا أخذ المسلم حماماً مثلاً، ثم بعد ذلك انطلق، فسيكون جسده بارداً، فيطوف طوافاً، ثم طوافين، ولا يجد مشقة، ولا زحاماً إطلاقاً، ولا شيئاً من ذلك، بل والله يشعر بلذة، ويمكن للإنسان أن يكثِّف، فكلما استطاع أن يطوف حول هذا البيت فليحرص على ذلك؛ لكن إذا وُجِد زحام شديد، فنقول: ما دمتَ قد أديتَ الواجب، فاجلس واقرأ القرآن، واحضر حلقات العلم، فلا حاجة لِأَنْ تزاحم إخوانك في هذا المطاف، فإنهم أحق به؛ لأنهم سيؤدون الواجب، أما أنت فتعمل سُنَّة.

الأمر السابع: عدم حجز أمكنة في الحرم:- فمن الأمور التي ننبه عليها: أن بعض الناس يحجزون أمكنة، وهذا من الخطأ والغصب، فلا يجوز للمسلم أن يحجز مكاناً ويخرج إلى بيته، ثم يعود حتى يصل إلى الروضة، أو يصل إلى قريب من الإمام فيقول: هذا مكاني، فإن مَن وُجِدَ مكانه فارغاً فإنه يُزال، إلا إذا كان موجوداً في الحرم فإنه لا يُزال هذا الشيء.

الأمر الثامن: النوم والراحة في غير أوقات العبادة:- كذلك من الأمور التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم: أن الجسد لا بد له من حظ في الراحة؛ لكن يجب أن يُقْسَمَ للنوم جزءٌ من الوقت، وأغلب الناس ممن يسافرون في العشر الأواخر، فلا نقول لهم: نوموا؛ لأنهم لو ناموا لفاتهم جزء من القيام؛ لكن يمكنهم أن يجلسوا جلسة خفيفة، فبعض الناس -هداهم الله- يصلون جزءاً من القيام، ثم يجلسون، ومعهم (الشاي) (والزمزمية) والتوت، وواحدٌ منهم مهرٍّبٌ (سنبوسةً) والثاني مهرِّبٌ أرزاً ودجاجاً، فيجلسون ويبسطون السفرة ويأكلون، فالناس يصلون وهم جالسون يتحدثون، وهذا من الخطأ.

الأمر التاسع: عدم الزيادة على إحدى عشرة ركعة في صلاة القيام، والحرص على عدم الصلاة منفرداً:- وأنبه إلى مسألة -وإن كنتُ أقول: في المسألة خلاف بين أهل العلم- لا شك أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (كان يصلي القيام في رمضان، وما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) كما قالت عائشة رضي الله عنها، فتجد بعض الناس يصلون إحدى عشرة ركعة ثم يجلسون، ماذا يعملون؟! يعملون على ما يُسَمَّى عندنا: (فَلَّتَ حِجَاجه) فيبسطون السفرة، ثم تأتي (السنبوسة) ويجلسون للقهوة!! وبعضهم مساكين مُقَلِّدَةٌ، لا يفقهون شيئاً لا يصلون عشرين ركعة مع الإمام! وهذا من البدع، فإن شيخنا العلامة/ عبد العزيز بن باز يذهب إلى أن ذلك من قلة فقههم وعملهم هذا شَيْن.

فالأولى للمسلم أن يصلي الصلاة كاملة مع أئمة الحرم، ويُكْتَب له قيام ليلة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتِبَ له قيام ليلة كاملة) فينبغي للمسلم إذا جلس ألا ينشغل ويشغل إخوانه.

الأمر العاشر: الصلاة مع الإمام من لحظة تكبيرة الإحرام:- بعض الناس يجلس حتى إذا قام الإمام للركوع رَكَعَ معه، وهذا خطأ، فإن الإنسان لو أحس بتعب يُكَبِّر وهو جالس، ثم يقرأ ما شاء، ويستمع، ثم إذا أراد الإمام أن يركع قام فركع معه، ولا حرج في ذلك، بدلاً من أن يجلس ليتكلم حتى إذا أراد الإمام أن يركع قام فركع معه، فهذا يفوِّت عليه أجراً عظيماً.

الأمر الحادي عشر: الحرص على الحضور إلى الحرم قبل الأذان للتهيؤ للعبادة:- ينبغي أن يحضر المسلم للصلاة في الحرم قبل الأذان بقليل حتى يتهيأ للعبادة، فإن بعض الناس تجد أن سكنهم بعيد، فيأتون بمشقة، فيركضون حتى تفوتهم ركعتين أو ثلاثاً.

فنقول للمسلم: أنتَ جئت للازدياد من الطاعة لا للتفريط، فإن كنتَ تفرط في تكبيرة الإحرام في الرياض، فلا تفرط فيها في مكة، فإن مكة موضع يجب أن نكثف فيه من الخير والطاعة.

الأمر الثاني عشر: السُّنَّة في تحية المسجد الحرام: الطواف لا ركعتين:- كذلك ينبغي للمسلم أن يتهيأ للطاعة دائماً، فإذا قَدِم إلى المسجد فإن كان يستطيع أن يطوف فإن السُّنَّة في دخول المسجد الحرام هو الطواف وليست ركعت

<<  <  ج: ص:  >  >>