للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أهمية الوقوف على معاني القرآن]

الحمد لله على نعمة الإسلام التي أنعم الله بها علينا، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:٤٣] الحمد لله الذي أنشأنا في بلد إيمانٍ، وبلد هو منبع الرسالة ونزول القرآن.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه.

وبعد: ألتقي بأحبتي في هذه المدينة المباركة، وإني في مقدمة كلمتي أشكر فرع الوزارة على أن هيأ لي هذا اللقاء، الذي أسأل الله أن ينفعني وإياكم به، كما أشكر المكتب التعاوني بمدينة الرس على ما بذلوه من جهدٍ وعلى حرصهم ومتابعتهم، وليس هذا بغريب عليهم.

أقول لأحبتي: إن الأمة بحاجة إلى الوقوف مع كتاب ربها تلك الوقفات التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقفها مع صحابته رضوان الله عليهم، تلك الوقفات التي تترجم سلوكاً عملياً لهذا القرآن في سلوكه صلوات الله وسلامه عليه، لما سئلت عائشة رضي الله عنها وأرضاها عن خلقه، ما زادت على أن قالت: [كان خلقه القرآن] فهذا هو الخلق الذي تُرجم إلى سلوك عملي وقيل للأمة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:٢١] .

إن الأمة لفي حاجة إلى إقامة دروس حول القرآن، وحول هذا الكتاب العزيز، وأقول للأحبة: ربما يقام درس في الحديث أو الفقه فترى عدداً هائلاً، ولكنك حين تقيم درساً لتفسير القرآن ترى قلةً ممن يحضره، وربما لا يحضره إلا طلاب العلم الذين يحرصون على الاستفادة من كتاب ربهم.

كانت مجالس الصحابة هي القرآن، وهاهو أسيد رضي الله عنه وأرضاه يجلس لـ عمر، ويقول له عمر: [شوقنا لربنا، ذكرنا ربنا] وهاهو النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لـ ابن عباس فيقول: (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل) ومعنى علمه التأويل: أن يعلم معاني هذا القرآن العظيم.

سبحان الله! إني أتأمل في حياة شيخنا العلامة مفتي هذه الديار سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ما من درسٍ يقيمه إلا والتفسير معه، بل إنه جعل له درساً خاصاً يوم الجمعة بعد الصلاة يقرأ في تفسير الإمام البغوي وحده غير الدرس الذي في الفجر، وفي المساء في تفسير ابن كثير، وما نسي التفسير لعلمه أن القرآن هو أصل هذه الأمة وعزها، وتمكينها.

وأقول للأحبة: نحن في حاجة لأن نرتبط بهذا القرآن ارتباطاً قوياً، وما شرفت أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الكتاب العظيم، إذ أنزل عليها أفضل الكتب وأحسنها.

وقد أنزله الله لأي شيء: أهو لأجل أن يتبرك به؟! أو يُقرأ على الموتى وفي المصائب إذا حلَّت بالناس من مسٍ أو جنون؟! أم أنزل ليعلق ويصبح تحفة جميلة في مجلس أو صالة أو غيرها؟! أم أنه أُنزل ليبتدأ به في الحفلات؟! أو ليصبح حروزاً تعلق على صدور المرضى؟! لا وربي! إنه أنزل ليعمل به المسلمون، وليترجم إلى سلوك عملي، ولذا قال ابن عباس رضي الله عنه ونقل عن ابن مسعود وغيره من أصحاب رسول الله: [إذا سمعت الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فارعها سمعك؛ فإما خير تؤمر به، أو شر تحذر منه] كم نسمع: (يا أيها الذين آمنوا) وما ندري، وكأن الخطاب يرجع للصحابة وحدهم، ونعوذ بالله أن نكون من قومٍ ذكرهم الله -وهم الكفار- ويتشبه بهم بعض الناس قال تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:٤٥] .

إن هذا القرآن وصفه الله بصفات عجيبة بديعة: - أنه هدى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:٢] .

- أنه شفاء: {وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} [الإسراء:٨٢] .

- أنه نور وروح وحياة: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ} [الشورى:٥٢] .

فمن هدي لهذا القرآن وهدي للعمل به فوالله إنه هو المستقيم على دين الله تعالى.

ونحن والله في حاجة إلى أن نرتبط بكتاب ربنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>