للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى قوله تعالى: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت)]

ثم ننتقل إلى العنصر الثاني: يقول الله: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:١٧] وسبحان الله! المخاطب بها العرب، وكانت إبل العرب لها في أنفسهم منزلة عظيمة، وكانوا أهل إبل، ويفتخر أحدهم بها، بل إن أشعارهم تكون مضمنة بمدح الإبل ووصفها، والسبب: لأنها من كرائم أموالهم، وهي من أحب النعم إليهم، ولهذا يشترون بها ويبيعون ويجاهدون عليها إلى غير ذلك، والله ذكر هذه الأشياء: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ} [الغاشية:١٧] كأنه خطاب لأولئك أصحاب الوجوه الخاشعة التي عملت، لم لا ينظرون إلى آيات الله في الكون فتكون تلك الآيات سبباً لإسلامهم واستقامتهم على دين الله تعالى، يقول القرطبي: قال المفسرون: لما ذكر الله أمر أهل الدارين تعجب الكفار من ذلك فكذبوا وأنكروا ذلك، فذكرهم الله قدرته التامة، وأنه القادر على كل شيء، ذكر لهم الإبل؛ لأن فيها خصائص عجيبة؛ أولاً: لأنها من الحيوانات المنتشرة في جزيرة العرب، ولهذا يسمونها سفينة الصحراء، ففي البحر سفن وفي الرمال سفن.

ولأنها أعظم المخلوقات عندهم.

ولأنها كذلك مذللة مع عظم خلقها، يأتي الطفل الصغير ويأخذ بخطامها فتبرك إلى الأرض، ثم يقيموها ويحملون عليها.

ولأنها تصبر على المشقة فتبقى عشرة أيام أو أكثر لا تحتاج إلى الماء، وتحمل أثقالهم.

ولأنها ترعى أغلب الأعشاب في هذه الجزيرة.

وسبحان الله! لما خلق الله الحيوانات جعلها مصنفةً: طائفة منها تؤكل، وطائفة يشرب درها، وطائفة يحمل عليها، وطائفة للزينة والجمال.

والإبل جمعت ذلك كله؛ نأكل لحمها، ونشرب لبنها، ونحمل عليها، ونتجمل بها ونفتخر، وتصبح من الأموال، ولذلك يقول الله: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:١٧] إنها من المخلوقات العظيمة، فهو استفهام إنكاري، ينكر الله عليهم لم لا ينظرون إلى دقائق صنع الله؟!! وليس النظر المقصود هنا نظر العين فإن الكافر والمسلم والكبير والصغير ينظرون، وإنما يقصد به النظر المفيد للاعتبار، ذلك النظر الذي يُؤْثر الإيمان والصلاح في القلب، وهذا هو الذي يستفاد منه في هذا النظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>