للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مهمة الداعية وأهمية الدعوة]

ثم قال: {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:٢١] ولعلها تعطينا مهمة الدعوة إلى الله تعالى والدعاة، يجب أن يعلم أنه ما قام دين من الأديان ولا انتشر مذهب من المذاهب إلا بالدعوة، وما تداعت أركان أمة بعد قيامها ولا درست رسوم مذهب من المذاهب إلا بترك الدعوة، والنتيجة أن الدعوة إلى الله تعالى هي حياة لكل امرئ ولكل أمة تريد أن تعيش وتبقى.

وهنيئاً لأقوامٍ يدعون لدين ربهم ويدعون لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويتأسون بما كان عليه أصحاب رسوله وسلف الأمة من النور والضياء والحق الذي دلَّ عليه الكتاب والسنة.

ثم نقول: لو كان الحق يقوم بنفسه والدين يقوم بنفسه وينتشر بذاته لما احتاج الناس إلى الدعاة، ولهذا قال الله لرسوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} [يونس:٩٩] وإنما أمر: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ} [النحل:٣٥] .

{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} [الغاشية:٢١-٢٢] بلغهم دين الله تعالى؛ لأنك لم تبعث عليهم مسلطاً ولا موكلاً بأعمالهم، ويجب أن نعلم أن هذا التذكير إنما هو لما بين الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر) .

وأقول لأحبتي: يجب أن نعلم أن أحدنا حين ينصح إنساناً فلا يقبل منه فإنه يحزن قلبه، وربما ينتصر لنفسه، ثم تكون النتيجة أن تضيع ثمرة دعوته، كأن تنصح شخصاً وتقول له: يا أخي! اتق الله واترك المعصية، فربما رد عليك بلفظ نابٍ، ثم ترد عليه أنت بأسلوبٍ ليس جيداً، فتنتقل من مهمة الدعوة إلى الانتصار للنفس، قال الله لرسوله: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:٢١] {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:٦٧] فقط {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ} [النحل:٣٥] مهمتنا أن نقول للناس: إن هذا حلال وهذا حرام، وما عداه ليس من مهمتنا، ولهذا قد يحزن القلب لعدم القبول، ولإعراض الناس عن دين الله، ومع ذلك قال الله لرسوله: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر:٨] وقال الله لرسوله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:٥٦] تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان حريصاً على هداية عمه أبي طالب، ووقف عند رأسه يناشده أن يقول كلمة التوحيد، وتحسر قلبه على ذلك: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:٥٦] .

<<  <  ج: ص:  >  >>