للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أصناف الناس تجاه توحيد الأسماء والصفات]

قد انقسم الناس في باب الأسماء والصفات إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: من لم يثبت لله تعالى الأسماء والصفات على مقتضى النصوص، وهؤلاء يسمون: بطائفة المعطلة، قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في تقسيم التعطيل على وجه العموم بعد أن ذكر أن المعطلة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: تعطيل الصانع عن مصنوعه، ويقول: تعطيل المصنوع عن صانعه أو عن خالقه وهو أولى لأن الصانع لا يطلق على الله، وذكر بعض أهل العلم أنه يمكن أن يطلق من باب الخبر، لكن على أنه صفة من صفات الله تعالى أو اسم من أسماء الله فلم يرد نص من كتاب ولا سنة، ولكن يقال: تعطيل المصنوع عن خالقه لا مانع منه، وهذا ينطبق على المنكرين ربوبية الله تعالى، فيقال: إن الكون ليس له خالق.

القسم الثاني: تعطيل الرب عن كماله المقدس، وهو المتعلق بتعطيل أسماء الله وصفاته.

القسم الثالث: تعطيل المعاملة، ويقصد بها ما يجب لله سبحانه وتعالى من العبادة، وهذا يتعلق بالألوهية، فإذا لم يعبد الإنسان ربه سبحانه وتعالى كان قد عطل معاملته، وهي العبادة له سبحانه وتعالى.

يقول ابن القيم تنبيهاً لطيفاً، وهو متعلق بمبحث الأسماء والصفات: إن المعطل يعبد عدماً، والمشبه يعبد وثناً، ولا يعبدون إلهاً، لكن الموحد هو الذي يعبد إلهاً خالقاً رازقاً مدبراً مستحقاً للألوهية سبحانه وتعالى، فالمعطل يعبد عدماً تجده يقول: الله ليس بسميع، ولا متكلم، وليس له إرادة ولا غير ذلك، هذا عدم لا يمكن أن يكون إلهاً.

والمشبه يعبد وثن، فالذي يقول: الله يده مثل يدي، والله سبحانه وتعالى له سمع مثل سمعي، وحياة مثل حياتي، وإرادة مثل إرادتي أعوذ بالله، فالله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:٤] فهذا لم يعبد الإله الحق وإنما عبد وثناً ولم يعبد الرب المستحق للكمال سبحانه وتعالى.

القسم الثاني: من أثبتها لله تعالى ولكنه شبهها بخلقه، قالوا: فصار مشابهاً للمشركين الذين يعبدون مع الله إله، فجعلوهم مشاركين لله تعالى، وهذه الطائفة ما قدرت الله حق قدره، نعوذ بالله من هذه الطائفة.

ولذلك نقل عن نعيم بن حماد، وكذلك الإمام أبي حنيفة رحمهما الله وغيرهما أنهم قالوا: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ولذلك الله سبحانه وتعالى ليس يشبه أحداً من خلقه بوجه من الوجوه، فهؤلاء يقول بعض المشبهة قبحه الله، والتشبيه كثيراً ما يوجد في الكرامية، ويوجد في غلاة الرافضة مثل بيان بن سمعان، وإن كان في غيره أكثر مثل هشام بن الحكم، وهشام بن سالم الجواليقي، فكان أحدهم يقول قبحه الله: سلوني عن الله كل شيء إلا السوءتين، قاتله الله أنى يؤفك، وهذا هو الكفر.

ولذلك يقولون: طوله كذا وعرضه كذا، وله طعم وله غير ذلك، ونعوذ بالله أن نشابه الله بأحدٍ من خلقه، بل لله سبحانه الأسماء الحسنى وله الصفات العلى.

سؤال: أيهما أشد جرماً المشبهة أم المعطلة؟ المعطلة، لأنه أدى قولهم إلى نفي وجود الله سبحانه وتعالى، وإن كانت كلاهما كما قيل: حنانيك بعض الشر أهون من بعض، وليس معنى هذا: قرب المشبهة إلى أهل السنة! لا، كلهم طوائف ضلال، لكن يقال: إن المعطلة أشد جرماً من المشبهة؛ لأن هؤلاء المعطلة أدى بهم قولهم إلى نفي وجود الله تعالى، وإن كانوا لا يقولون: إن الله ليس موجوداً.

عندنا الآن الطائفة الثالثة: من أثبتت لله أسماء وصفات مع نفي مشابهة المخلوقين، وهؤلاء هم الموحدون، إثبات بدون تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل، وكذلك نفي دون تعطيل، ولذلك وجب علينا أن نؤمن بأن ما وصف الله به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، نثبته لله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تأويل ولا تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل، هذا هو الواجب علينا أن نسير على ضوئه، فنصبح قد تمسكنا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

هؤلاء الذين ضلوا في باب الأسماء والصفات يقال: أنهم ليسوا على منهج أهل السنة والجماعة، والسبب في ذلك: أن هؤلاء المبتدعة لم يأخذوا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فلو قلنا: المشبهة هل معهم دليل من السنة؟ لا.

هل معهم دليل من الكتاب؟ لا.

وكذلك ليسوا على ما كان عليه جماعة المسلمين -سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم- فـ المشبهة فهؤلاء لا يمكن أن ننسبهم إلى أهل السنة والجماعة، بل إن الناظر في أقوالهم يعلم الاضطراب عندهم، ولعلنا سنتكلم بشيء من التفصيل في قول المؤلف:

قبحاً لمن نبذ القرآن وراءه وإذا استدل قال يقول الأخطل

يعني: نجد مثالاً يسيراً للأشاعرة، فإن الأشاعرة أثبتوا سبع صفات وبعضهم أثبت عشراً، وبعضهم أثبتوا ثلاث عشرة صفة، وبعضهم أوصلها إلى عشرين صفة لله تعالى، اضطراب ليس عندهم دليل، تراهم يتخبطون لم يسيروا على ضوء ما سار عليه أهل السنة والجماعة.

إذاً أصبح من منهج أهل السنة أن الواجب على المسلمين جميعاً في نصوص الكتاب والسنة إبقاء دلالتها على ظاهرها، فإذا قيل: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤] نثبت اليد لله (يضحك الله! لرجلين يقتل أحدهما الآخر) نثبت لله الضحك ونبقيه على ظاهره ولا نتعرض له بشيء من الزيادة ولا التحريف ولا النقص، فلا ننفي عن الله ولا نثبت إلا بنصٍ من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>