للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من أحداث وأهوال يوم القيامة]

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فلعلنا تكلمنا عن بعض ما يتعلق باليوم الآخر، وشرحنا قول المؤلف رحمه الله حلاً لعبارته:

وأقر بالميزان والحوض الذي أرجو بأني منه رياً أنهل

وتكلمنا عن بعض أحداث يوم القيامة إمراراً سريعاً دون تفصيل؛ نظراً لأن هذه الأحداث قد تطول بنا.

وبينا أن الله سبحانه وتعالى يبدل الأرض غير الأرض والسماوات، وأن هذه الأرض التي نعيش فيها ليست هي أرض المحشر، وإنما تكون بيضاء كالفضة ولم يعص الله فيها أبداً.

ويصبح الناس على أحوال، فالكفار لهم حال، والعصاة لهم حال، والمنافقون لهم حال، والمؤمنون لهم حال، فأما الكفار فالله قد بين حالهم يوم القيامة، وأن وجوههم مسودة، وما ذلك إلا لكفرهم وإشراكهم وإلحادهم بالله تعالى.

وهؤلاء الكفار قد توعدهم الله تعالى بوعيد، وأصبحوا يشاهدون ذلك الوعيد وينتظرون متى يحل بهم، ولهذا قال الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف:٥٣] وهذا الكلام حين الحشر والعرض على الله سبحانه وتعالى.

- وطائفة من الناس وهم عصاة المؤمنين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فجمعوا بين أمرين: السيئات والحسنات، فهؤلاء تبقى مغبة الذنوب أمام أعينهم، وخاصة الذين لم يتوبوا من الذنوب والمعاصي، أما من تاب من الذنوب والمعاصي فنحن نعلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له أصلاً، وهذا من رحمة الله تعالى بالمؤمنين أنهم يذنبون فيتوبون فيتوب الله عليهم، وبين لنا أحوال هؤلاء الذين ماتوا، فممن بين الله لنا: أهل الزكاة، وما يكون من حالهم، وأن أموالهم التي كنزوها فإن كانت ذهباً وفضة فتكوى بها جنوبهم وجباههم وظهورهم، وكذلك بين لنا حال صاحب الربا الذي يتخبطه الشيطان من المس، وبين لنا كذلك حال المتكبرين، أولئك الذين تكبروا على الله وتكبروا على الخلق، وأنهم يحشرون يوم القيامة كأمثال الذر يطؤهم الناس بأقدامهم وغيرها من الذنوب.

وبين لنا كذلك حال المؤمنين الأتقياء، وأن منهم طائفة وهم أعلاهم سبعين ألفاً، هؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، لا يصابون بشيء، وهذا من فضل الله تعالى ومن رحمته، ولا شك أن هؤلاء الذين هم أعلاهم لا يحصل لهم شيء منهم من هم أقل منهم رتبة، وكما بين أن الشمس تدنو من الخلائق ويخرج منهم العرق، ويصبح العرق في الناس على قدر أعمالهم في الدنيا، فمنهم من يصل العرق إلى كعبيه، ومنهم إلى أنصاف ساقيه، إلى ركبتيه، إلى حقويه، إلى ترقوته، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، أي: كاللجام في فمه، وهؤلاء على حسب ذنوبهم وتقصيرهم يحدث لهم مثل هذا الأمر.

ومن أحداث يوم القيامة: أن الناس يحاسبون على ما قدموا، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أول ما يحاسب عليه العباد الصلاة، فإذا صلحت صلح سائر العمل، وإذا فسدت -نعوذ بالله- فسد سائر عمل الإنسان.

ويصبح الناس في حال الحساب أقسام أربعة: القسم الأول: يحاسبون حساباً شديداً، يدقق عليهم في كل شيء -حساباً عسيراً- وهؤلاء هم الكفار، والملاحدة والمشركون.

القسم الثاني: يحاسبون حساباً ولكنه ليس كحساب الكفار، ويدخل فيه عصاة المؤمنين، فإن هؤلاء يحاسبون على أعمالهم، من المعاصي والفجور الذي وقع منهم.

القسم الثالث: لا يحاسبون أبداً وهم السبعون ألفاً، ومن رحمة الله تعالى أن أعطى نبيه مع كل ألف سبعون ألفاً، وهذا من فضل الله تعالى ورحمته.

القسم الرابع: وهم الذين يحاسبون حساباً يسيراً، وهو ما يسمى بقضية العرض، وهو العرض على الله تعالى، تعرض الذنوب ثم بعد ذلك يقرر بها الإنسان، ويعترف بها، ثم يقول الله: (إني سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم) وهذه من رحمة الله تعالى بالمسلم أن يكون من هؤلاء القوم إذ أنه تقرر ذنوبه، وفي بعض الروايات: أن هؤلاء يحصل لهم أنها تبدل سيئاتهم حسنات، فالسيئات التي عملوها في الدنيا تنقلب إلى حسنات، وهذا من فضل الله تعالى ورحمته.

ذكر بعض أهل العلم أن بعد الحساب تتطاير الصحف، فمن الناس من يأخذ كتابه بيمينه، ويطير به فرحاً {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:١٩] ومن الناس من يأخذ كتابه بشماله ووراء ظهره، وعند ذلك يحدث لهؤلاء القوم بسبب تطاير الصحف فليس للإنسان خيار، فالإنسان له حركة في الأخذ والعطاء، لكنه عند تطاير الصحف ليس له خيار، تتجه الكتب لأهل الإيمان والصلاح فيأخذونها بأيمانهم، وذاك لا يستطيع أن يمد يمينه، وإنما يأخذها بشماله، ولا شك أن هذه عقوبة لهم، بل هذا نوع وجزء من عقوبة الله تعالى لهؤلاء القوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>