للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خلود النار والرد على المخالفين]

مسألة: النار خالدة ولا تفنى، ولقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال متعددة ولم نومئ إليها، وبعض العلماء ذكر أنها تصل إلى سبعة أقوال: القول الأول: قول الجهمية: وهم يقولون بفناء النار وفناء الجنة، نعوذ بالله من حالهم، وقد رد عليهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى في آخر كتابه: الرد على الزنادقة، وبين أن الجنة والنار لا فناء لهما.

القول الثاني: قول الخوارج والمعتزلة: يقولون بخلود كل داخل في النار، ولو كان من عصاة الموحدين، وهذا الكلام باطل، ولهذا فإن الخوارج يكفرون صاحب الكبيرة، والمعتزلة يرون أنه خارج من الإيمان، ولكنهم في الآخرة يتفقون مع الخوارج فيقولون: بخلود صاحب الكبائر.

القول الثالث: وهو قول اليهود قبحهم الله، وذكره الله في قوله: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً} [البقرة:٨٠] ذكر الإمام ابن جرير أن اليهود قالوا: لن يدخل الله اليهود النار إلا تحلة القسم (أَيَّاماً مَعْدُودَةً) ثم يقول: أنتم المسلمون تخلفونا في النار وتخلدون فيها، أما نحن فندخل أياماً معدودة ثم نخرج، وكذبهم الله في هذه الآية وفي آية أخرى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:٨٠] .

القول الرابع: قول الاتحادية كـ ابن عربي الطائي وغيره، قالوا: إن هؤلاء يدخلون النار، ولكن تصبح طبائعهم طبائع الجهنميين وبعدها يتلذذون بالنار، أي: يصبحون يتلذذون بهذه النار وتصبح نعيماً لهم، ولاشك أن هذا كلام باطل، وهو ينسب إلى أهل التصوف من الزنادقة.

القول الخامس: وهو أن الله سبحانه وتعالى يخرج من شاء منها، ثم يبقي من شاء، ثم يفنيها سبحانه وتعالى، وهذا القول عزي لشيخ الإسلام ابن تيمية، ونقل عن الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، وبالنسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية فليس كلامه صريحاً في ذلك، وبالنسبة لـ ابن القيم فإنه قد نقل عنه، ويؤمئ إليه كلامه رحمه الله تعالى، أومأ إليه في النونية إيماءً سريعاً، وقيل: إنه أومأ إليه في حادي الأرواح، ولكن هذا القول مرجوح، وشيخ الإسلام ابن تيمية وعلى فرض صحة النقل عنه، فإنه نقل عنه رحمه الله تعالى القول بعدم فناء النار، والذي يظهر أنه أرجح الروايات التي نقلت عنه رحمه الله تعالى، مما يدل على أن هذا القول مرجوح، والصحيح أن النار خالدة لا فناء لها، ومن نقل عنه من السلف بفناء النار، بعض العلماء يقول: لعل هذه هي نار العصاة، وكأنهم قسموا النار إلى قسمين: نار للمشركين ونار للعصاة، ونار العصاة يخرجون منها فلا يرجع إليها أحد، قالوا: فتلك تفنى، أما نار الكفار فإنه لا فناء لها، ولا شك أن هذا هو القول الصحيح، وهو قول جمهور سلف الأمة رحمهم الله تعالى ورضي عنهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>