للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سبب نكوص كثير من الناس عن طلب الهداية]

مسألة: كثيراً ما يعرض بعض العصاة وأصحاب الفسق ويحتجون إذا نوقشوا بالاستقامة على دين الله بالقضاء والقدر، وقالوا: نحن لم يرد الله هدايتنا ولا استقامتنا، وأنتم هداكم الله، فما موقفك من هذه؟ الجواب: إن هؤلاء لا يحتاجون إلى كثير من النصوص الشرعية ولا المناقشات ولا غير ذلك، ولا تصغ إليه، بل يكفي ضرب المثال ليتضح بطلان ما هو عليه، ولهذا تجد بعض الناس عندما تقول له: لماذا لا تصلي؟ قال: سبحان الله! أنا مكتوب في بطن أمي وعندنا عقيدة شقي أو سعيد، نقول له: نعم، يقول: أنا مكتوب من أهل الشقاء وانتهى الإشكال، أو بعض الناس يقول: أنت هداك الله لماذا أنا لا يهديني؟ نستدل له بالقرآن، وسبحان الله! آية عظيمة جداً في سورة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل:١] ، لما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل:٥-٦] جاءت بعدها {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:٧] بدئ بالعمل أولاً، فنقول لهذا المنحرف: ائت إلى المسجد وصلِّ الصلوات، وجالس الأخيار، واحضر حلقات العلم، واحرص على الأعمال الصالحة ييسرك الله لليسرى، أما أن تجلس في محلات الخنا والمعاصي والفسق والفجور، وتنتظر الهداية إلى تنزل عليك من السماء، هذا أمر لم يجعله الله؛ إذ قد جعل الله سبحانه وتعالى من سننه الكونية أن ربط الأسباب بالمسببات، وجعلها الله سبباً، ولنذكر لهذا المسكين مثالاً بسيطاً وهو من اللطائف: ذكروا أن شيخاً لقي أحد تلاميذه وقد غاب عنه زمناً، وقد كبر سنه، سأله: هل جاءك أولاد؟ قال: والله ما رزقت بأولاد، ولكن لو دعوت الله لي لكان طيباً، فأخذ الشيخ يدعو له -وقد غاب عنه- وبعد سنة، سأله: أرزقت بأولاد؟ قال: والله ما رزقت، فسأله الشيخ: هل تزوجت أم لم تتزوج؟ قال: لا.

لم أتزوج، قال: كيف تجعلني أدعو لك سنة أن يرزقك الله أولاداً وأنت ما تزوجت؟ وهذا الذي يريد الهداية أن تنزل عليه من السماء كحال من يريد أولاداً بدون زواج، هل يمكن؟ سنة من سنن الله الكونية وهي ربط الأسباب بالمسببات، وهؤلاء يعملون أغلوطات هم لا يعملون بها في كل جوانب حياتهم، قد يعمل بها في حال المعصية ولا يعمل بها في حال الطاعة.

عجباً لهؤلاء القوم! يحتج بالقضاء والقدر في معصيته، لكن إذا جاء إلى المسجد وذهب إلى مكة يطوف ويسعى، ما قال: والله كل هذا بقضاء الله وقدره، ما عندي عمل إطلاقاً وأنا مجبور، لا يمكن! لو قلت له: أنت مجبور أن تذهب الآن إلى المسجد، يقول: السلام عليكم وانتهى الإشكال يقول: أنا مجبور حر، وبهذا يستطيع التمييز، وهؤلاء مساكين يكيلون بمكيالين، ففي الطاعات يقول: هذا عملي وأنا الذي قدمت.

وتجد الشخص إذا بنى مسجداً أو أنفق أموالاً قال: بنينا، وعملنا، وتعبنا، وأسأل الله أن يتقبل هذا العمل وغيره، لكن في حال المعصية لا يقول: أسأل الله، إنما يقول: هذا بقضاء الله وقدره، ليس لي شيء، وهذا لا شك أنه احتجاج باطل لا شك في بطلانه.

ثم نقول لهؤلاء المساكين الذين يحتجون بالقضاء والقدر في حال المعاصي، ونضرب لهم بمثالين بسيطين: أول مثال وهو من الأمثلة البديهية: أليس قد كتب رزقك أم لم يكتب؟ الجواب: مكتوب رزقك: (لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها) ما رأيكم أن نجلس هنا ولا نخرج، إن كان الله كتب لنا أن يأتي الفطور جاء، وإن كان لم يكتب في اللوح المحفوظ فليس هناك مجال، لا يمكن أن يأتي، هل يعمل به؟ أبداً، هل يمكن أن يقبله؟ لا يقبله أبداً، ولذلك إذا جاء أحدنا الظهر أول ما يدخل يدخل المطبخ يفتح الثلاجة ويأخذ شيئاً خفيفاً، يسحب الصماط يقدم يعمل يعمل، لا يمكن أن يأتيه أكل بدون أن يقدم شيئاً [إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة] كما قال عمر للذي جلس في المسجد يسأل أن ينزل عليه شيء.

إذاً فما نعمله في أمور الدنيا يجب أن نعمله لأمور الآخرة، فلماذا نعمل للدنيا ولا نعمل للآخرة، ونكيل بميزانين؟ الأمر الثاني: من الأمور التي غابت عن عقولنا الآن، وهي مثل مبحث القضاء والقدر، قضية موت أحدنا الآن، لو سئل كل واحد منا الآن سؤالاً: متى ستموت؟ ليس عندي خبر.

أي سبب ستموت به؟ ليس عندي خبر.

وعندك (١٠٠%) يقين؟ قال: نعم عندي (١٠٠%) يقين.

ومكتوب في اللوح المحفوظ السبب؟ نعم.

قلنا له: جزاك الله خيراً، مادمت تحتج بالقضاء والقدر على قضية الهداية، الخط السريع إذا جاء في الساعة الثانية عشرة ليلاً، افتح الفراش ونم وسط الخط السريع الدائري، وإن كان الله كتب موتك لا محالة ستموت، وإن كان لم يكتب الله موتك تجد السيارات يذهبن يميناً ويساراً ولا يقربنك أبداً.

عندما ينام لا يمكن أن تقر له عين، لا تأتي سيارة إلا وهو ينتظر متى تصل إليه! إذاً ليس عندك يقين بهذا الشيء؟ عندي معتقد، فلماذا؟ ونحن نقول: نحن نعلم بأن الله قد كتب هذا الأمر، لكن لم يخبرنا الله أأنت شقي أم سعيد.

ثم كل واحد منا يفرق بين الأمر الاختياري والأمر الإجباري، هذا أمر يقيني عندنا، أحدنا إذ يأتي إلى المسجد لحلقة علم لا يشعر أنه يجر برقبته حتى يدخل المسجد، بل يشعر بطمأنينة يمشي مختاراً، ويستطيع الإنسان أن يمشي، ولا يقول أحد: أنا مجبور أبداً.

أضرب مثالاً بسيطاً: لو قتل أحد إنساناً، قلنا له: لماذا؟ قال: هذا أمر مكتوب، ثم جاء شخص آخر حامل السلاح قلنا له: إلى أين؟ قال: أنا سأقتل.

هذا مكتوب عليه وأنا مثله مكتوب علي وهذا لا يمكن أبداً، لا يعلم أبداً بهذا الشيء، يستطيع الرجوع مباشرة، ولو قلت الآن لأي شخص: أنت الآن جئت إلى الدورة مجبوراً؟ قال: لا مجبور ولا أي شيء، السلام عليكم ولا درس ولا شيء أنا حر، ولهذا يشعر الإنسان بأفعاله في الطاعات، وفي المعاصي أنه ليس مجبوراً أبداً، لا يشعر بجبر، يستطيع الترك ويستطيع العمل.

فمثلاً: بعض الفساق تمر المرأة مثلاً وقد تجملت، يقول: الحمد لله! هذا رزق جاء به الله، ما جئت به أنا؛ أنا جالس أنظر وينتهي الإشكال، هل يمكن؟ لا يمكن أبداً وهو يشعر بالاختيار، والدليل على ذلك أنه يمشي من هنا، ويمشي من الجهة الثانية، وينظر ويعمل إلى أن يقحم نفسه في المعصية، ليس هناك جبر أبداً، مع علمنا أن كل شيء قد كتب في اللوح المحفوظ.

أردت أن أضرب هذه الأمثلة لنقطع دابر هؤلاء الذين يحتجون بالقضاء والقدر في معاصيهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>