للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعريف الهداية وحديث القرآن عنها]

قول المؤلف: (رزق الهدى) قال العلماء رحمهم الله تعالى: الهدى بضم الهاء وفتح الدال: الرشاد والدلالة، وقيل: الدلالة بلطف، وقال ابن سيد الناس: الهدى ضد الضلال، وهو الرشاد والدلالة.

سبحان الله! نجد في اللغة العربية بعضاً من الأمور يريد العلماء أن يعرفوها فيأتون بضدها، الليل ضد النهار فقط، ولا يحتاج إلى تعريف، ومثله إذا قالوا في قضية الهدى يقولون: هو ضد الضلال، والضلال ضد الهدى، كأنه من الأمور التي يعرفها الناس ومن الأمور اليقينية.

لقد ورد في القرآن آيات كثيرة في مسألة الهدى، والله يقول: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل:١٢] أي: إن علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلال، وقال سبحانه وتعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت:١٧] أي: بينا لهم طريق الحق وطريق الضلال، وبينا لهم طريق الإيمان وطريق التوحيد، ولكنهم استحبوا الضلالة على الهدى فلم يريدوه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) وقيل: إن الذين هداهم الله تعالى إلى الحق: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وأرضاهم.

وقال بعضهم: إن من أسماء الله الهادي، قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير سورة الفاتحة، عند قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦] قال: الهدى يطلق ويراد به: الإطلاق الأول: ما يقر في القلب من الإيمان، قال: وهذا لا يقدر على خلقه في قلوب العباد إلا الله سبحانه وتعالى، ولعلها تسمى هداية التوفيق والإلهام، ويدل على هذا قوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:٥٦] ويقول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البقرة:٢٧٢] وفي قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام:١٢٥] .

الإطلاق الثاني: يطلق ويراد به بيان الحق وتوضيحه، والدلالة عليه والإرشاد، كما في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:٥٢] وهذه تسمى هداية الدلالة والإرشاد، الأولى لا يقدر عليها إلا الله، أما الثانية فهي للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وللدعاة إلى الله؛ لأنهم يدعون الناس ويدلونهم ويرشدونهم إلى الحق، وللعلماء وطلاب العلم وللآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فهم يصفون للناس دلالة الإرشاد، وتوضيح الحق وبيانه، وقد قال الله: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد:٧] .

يجب أن نعلم أن الهدى لا ينزل على الإنسان من السماء، بل لابد من بذل الأسباب، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "سؤال الهداية متضمن لحصول كل خير والسلامة من كل شر.

وقال: (إن الهداية هي البيان والدلالة، ثم التوفيق والإلهام، وكأن أول طريق لها البيان والدلالة، قبل أن يحدث للإنسان بيان ودلالة لا يحصل له التوفيق والإلهام، وأصبح لا سبيل إلى البيان والدلالة إلا من جهة الرسول عليه الصلاة والسلام) ، وهذه قاعدة، فلن تستطيع دلالة الناس إلى الحق إلا عن طريق الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهذا أمر معلوم، فمن أراد أن يدل الناس إلى الحق بدون أن يكون مستنده النبوة أو الرسالة فلن يستطيع إيصال الحق إلى الناس، فإذا حصل البيان والدلالة والتعريف ترتب على ذلك هداية التوفيق، وحصل له الفلاح والسعادة بالهدايتين جميعاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>