للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من أكبر الكبائر: عقوق الوالدين]

إن من العقوق: أن ترفع صوتك على أمك أو على أبيك، لو قلت لها: أف فقط، فأنت عاق، انتبه! خصوصاً الشباب الطيب؛ لأنهم من فضل الله التزموا بكثير من الجوانب لكنهم ربما وقعوا في معصية عقوق الوالدين، حتى ولو كانوا غير صالحين لا يجوز لك أن تعقهم؛ لأن الله يقول: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان:١٥] ولكن ماذا؟ {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:١٥] فلا بد من الطاعة ومن البر ومن الإحسان ولا بد من الخضوع للوالد مهما كان ولو كان كافراً إلا في أمر الله لا تطيعه، فإذا قال لك: لا تصل، فلا طاعة له في معصية الله، أما أن يناديك يدعيك وأنت نائم أو جالس وتقول: تعبان، أو تناديك أمك تريد منك غرضاً تريد تساعدها تريد منك شيئاً وتقول: لا، فيما بعد، قل: حاضر، لماذا؟ لأنه إذا دعتك وصرت سريع الإجابة وخرجت على طول في طلبها، من يوم أن تخرج وهي تدعو لك، تقول: الله يوفقك، ويرشدك، ويهديك، ويسددك، ويحفظك في الدنيا والآخرة، دعوة الوالدة هذه ما أعظم منها، وكذلك العكس إذا دعتك ولم تجب، وذلك ما لها سلطة عليك إذا أصبحت رجلاً تأتي تضربك! فماذا يحصل منها؟! ترجع إلى نفسها فتدعو، تقول: الله لا يوفقك، الله يجعلها في وجهك، وتدعو عليك، وربما توافق واحدة منها، وممكن ما هي صادقة في بعض الأمور؟ لكن إذا وافقت باباً مفتوحاً فإن الله يرفعها فوق السماء وتتفتح لها أبواب السماء.

حدثني من أثق فيه قصة عجيبة موجودة هنا في الواديين، فهي قصة معاصرة قريبة، والذي يحدثني هو الذي يعرف صاحبها، يقول: كان هناك رجل معروف في إحدى القرى ببر والديه، مشهور، كانت له والدة يبرها براً لا يمكن أن يبر أحداً من الناس، لا يمكن أبداً أن ينام إلا إذا ذهب إلى فراشها وتفقد حالها وقام (بتكبيسها) وبإرجاع الدفاء عليها ثم تقبيلها، ثم يقول لها: يا والدتي سلمي عليَّ، سامحيني ادع لي، ثم تدعو له ويذهب إلى فراشه.

ولا يمكن أن يأكل الطعام إلا بعدها، ولا يشرب القهوة إلا بعدها، ويأتي بالطعام الطيب والكسوة الطيبة لها ولا يفضل زوجته عليها، المهم بار عظيم البر بأمه.

يقول: في يوم من الأيام خرج من قريته، يريد أن يذهب إلى السوق، سوق خميس مشيط متجهاً من الواديين إلى الشرق إلى أحد رفاقه، وكانوا يركبون على الدواب، ويقومون قبل الفجر من أجل يقطعون الطريق ويصلون إلى الأسواق قبل الشمس وقبل أن ينفض السوق، يأخذون السوق من أوله، يقول: فقام قبل الفجر، وشرب قهوته وأمه موجودة وزوجته، ثم نزل وركب على حماره، وقامت أمه وهي معه تودعه إلى الباب وتدعو له: الله يوفقك، الله يشرح لك الأمر، الله يجعل لك التسديد، وتدعو له بدعاء عظيم، وبعد ذلك رجعت تنام وهو ذهب إلى غرضه، وفي الطريق يقول: وهو بين القرية وبين جبل (ضنك) ، هذا الذي بالمدينة العسكرية معروف اسمه جبل (شكر) في التاريخ واسمه ضنك الآن، يقول: وهو ماشي مع شروق الشمس، إذا بذلك الحيوان المفترس الذي ليس له مثيل بالدنيا، يقول: فيه عدة أوصاف من مجموعة حيوانات، الطول طول البعير، والرقبة قصيرة ليست برقبة البعير، لكن الخرطوم والرأس أشبه برأس السبع، ولكنه مدبب، يقول: أوله مثل الدبوس، وآخره مخروطي الشكل، يقول: ولما رأيته من بعد، يقول: صحت عليه، كعادتنا إذا رأينا ذئباً أو رأينا سبعاً أو شيئاً نصيح عليه، ما نخاف منه وهو طبعاً يشرد، يقول: فأنا عملت عليه هذا الأسلوب ظناً مني أنه سوف يشرد، يقول: صحت عليه بصوت قوي، يقول: فما هو إلا أن وجه عليّ، يقول: والتهم الأرض بيني وبينه في أقل من لحظة مثل البرق، يقول: فاغراً فاه، يقول: موجهاً عليَّ بشكل كاد يلتقمني أنا وحماري وأنا على الحمار، يقول: والله ما بقي بيني وبينه إلا أمتار، وأنا مستسلم، ماذا أفعل؟ لا يمكن أن أقف لهذه المصيبة وهذه الداهية، يقول: وإذا بصوت في الجبل وراء الرجل كان صياح امرأة، هو (صياح أمه) والدتي تصيح والصوت ليس من هنا من وراء بل من أمامي، يقول: فوقف عندي والتفت الحيوان إلى الصوت، يقول: ثم رجع، يقول: أنا حينما شعرت بأني نجوت من هذه المهلكة، لا أملك في تلك اللحظة ولا مقداراً من القوة ولا القدرة على أني أتحرك أو أمشي أو أرجع، يقول: بل كان كمن قتل ومات ثم بعثه الله، يقول: كأنه قد حكم عليّ بالموت والله أحياني، يقول: فضربت بعصاي طرف رأس الحمار -الدابة- يقول: ورجعت لا أريد السوق، لا أريد أبيع ولا أشتري ولا شيئاً، يقول: ورجعت وأنا متعب إلى البيت، يقول: وربطت حماري في الفناء، ودخلت البيت، وأدخل وإذا بوالدتي تبكي، ويوم رأتني، يقول: قامت عليّ وأخذتني واحتضنتني بقوة وبعناق شديد، وقالت: الحمد لله، الحمد لله.

قال: ما بك يا أمي! ما الذي حصل؟ قالت: يا ولدي رأيت لك رؤيا مفزعة.

قال: وماذا رأيتي؟ قالت: رأيتك أنك في يوم تأتي مكان (فلان) في المكان نفسه.

يقول: والله نفس الموقع بالضبط.

تقول: وأنت ماشي، والشمس شارقة، إلا وذاك الوحش الذي هجم عليك يا ولدي، ما بقي بينه وبينك شيء، وأراد أن يأكلك، تقول: ورأيته أنه يريد يأكلك فصرخت بأعلى صوتي، تقول: وإذا به يقف وتلفت فيّ وإنه يرجع عليك وأنت مكانك والحمد لله الذي ردك، فسبحان الله الذي لا إله إلا هو!! كيف حفظ الله هذا الرجل بسبب بره وطاعته لأمه، الصوت بالواديين ويسمعه عند (ضنك) ، بأسباب ماذا؟ الصوت يحمله الله عز وجل، مثل قصة سارية الجبل، فقد كان عمر في المدينة وسارية في بلاد الشام، والمعركة محتدمة والعدو يريد أن يدخل عليهم من وراء الجبل، فيقطع عمر الخطبة يوم الجمعة ويقول: يا سارية الجبل، فيسمعه أهل الموقف كلهم في الشام، ويرجعون إلى الجبل وإذا بالعدو قد التف عليهم من الخلف، وينجي الله الذين آمنوا بهذه المعجزة العظيمة وبهذه الكرامة، فهذه كرامة لهذا الرجل ببره بوالدته.

فعقوق الوالدين -يا إخواني- من أعظم المعضلات، ولا ينبغي لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعق والده أو والدته، بل عليك أن تكون سامعاً مطيعاً رقيقاً طيباً، وإذا قال لك أبوك أو أمك أي شيء، قل: طيب، أبشر، حاضر، ولو كانت هناك عليك مشاكل أو تعب؛ لأن الله يقول: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:٢٣-٢٤] .

<<  <  ج: ص:  >  >>