للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قصة السعادة في بيت متواضع]

يذكر بعض أهل العلم: أن رجلاً كان من أهل الثراء وكانت زوجته مسكينة في عذاب، مشغول باستمرار، كلما دخل يدخل وهو زاهق، قد تحطم، وإذا جاء وصبت له القهوة برد ثم شربه، لماذا؟ مشغول يحاسب الدفتر، إلى أن ينام عند الفجر، وإذا جاء الصباح قام وأخذ دفاتره وذهب إلى التجارة، وهي مسكينة.

بينما كان لهم جار آخر وهذا الجار كان يشتغل سقاء، يأخذ في الصباح (سقته) ويذهب يبيع وبعد ذلك يذهب إلى السوق يشتري لحماً وخضرة وأشياء أخرى ويجلس مع زوجته في أكل وشرب وفي بسط وفي ضحك يتكلمون، وفي الليل في أنس.

وقد كانت آنذاك (المرازيب) ليست مثل حماماتنا، كان الذي يغتسل يسمعون صب المرزاب في الأرض، فيسمعون المرزاب يصب كل يوم من عندهم، وهذا مرزابه ناشف من شهر، فذهبت امرأة التاجر، تزور امرأة الفقير وهم جيران.

قالت لهم: أراكم ما شاء الله مبسوطين، وعندكم ضحك، ودائماً في سمر، وعندكم استئناس، وأسمع المرزاب يصب كل ليلة، كيف حالكم؟ قالت: الحمد لله في نعمة.

قالت: وماذا عندكم؟ قالت: زوجي يشتغل سقاء يبرد له من الصباح يذهب يبيع لأناس نحن معاملون لهم، ويأخذ الفلوس ويشتري بها أغراض ويأتي ونأكله والحمد لله، وفي نعمة من فضل الله، كيف أنت؟ قالت المرأة: والله إني في مصيبة مع هذا الزوج، عندنا أموال لكن والله ما أراه إلا من السواد إلى السواد، ولا يدخل البيت إلا يحاسب وينام، ماذا أقضي به وأقضي بأمواله، لكن يكون خيراً إن شاء الله.

ذهبت تريد أن تدبر لها مكيدة، وكيد النساء عظيم، ذهبت إلى زوجها في الليل وهو يحاسب قالت: يا فلان! اليوم أنا ذهبت عند جيراننا، وقد رأيتهم في حال لا يعلم به إلا الله من الفقر والحاجة، وهم في ضيق، ولا عندهم شيء، وأنت عندك أموال والله يخلف عليك، أريد منك طلبات للمرأة، وقد طلبني زوجها تعطيهم عشرة آلاف ريال يبيعون فيها ويشترون، يحفظون لك رأس المال والمكسب بينكم وبينه.

قال: حاضر لا مانع عندي.

أخذت العشرة آلاف منه وجاءت في الصباح وذهبت إلى المرأة وهي تنظر إلى الرجل.

قالت: زرتكم في الأمس ووجدتكم في حالة خفت عليكم ما عندكم شيء، والآن طلبت زوجي وأعطاني عشرة آلاف، أتيت بها لك من أجل تبيع فيها وتشتري، وتحفظ له رأس المال، والمكسب بينك وبينه نصف.

قال: بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً، وهذا حق الجار على الجار، فذهب الرجل وفرحت المرأة، من أجل أن يصيروا تجاراً، المهم أخذ الفلوس وخرج ذاك اليوم، ولا رجع إلا بعد العشاء.

ولما رجع وإذا به يحاسب، بعنا وشرينا، المهم ما جاءه النوم إلى نصف الليل، ثم نام، ولم يكن في تلك الليلة مرزاب، وفي اليوم الثاني كذلك خرج من الصباح ما جاء إلا بعد العشاء، واليوم الثالث والرابع هكذا، مر أسبوع وأسبوعان والرجل قد انفتحت عليه الدنيا، وأصبح وراءها، قامت المرأة وقالت: هذا المال يشغلك عنا ويشغلنا عنك، والله إن كنت تريدني، هذا المال الله لا يبارك فيه ولا نريده، نريد أن نكون على حالتنا الأولى، وعلى الخضرة حقنا، وعلى اللحمة الأولى، لا نريد غير هذا، وبعد ذلك أخذت رأس المال ورجعته إلى التاجرة هذه وقالت: الله يبارك فيك أنت وزوجك، وخذي فلوسك وأنا وزوجي في سعادة بدون مالكما.

فالسعادة -أيها الإخوان- ليست في تكثير الأموال ولا في تجميعها، وإنما السعادة في دين الله تبارك وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>