للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وجوب الاكتفاء بالكتاب والسنة في التشريع]

هذا القرآن مملوء بالبصائر، من أول آية بدأ فيه التحدي {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:١-٢] لا يوجد إنسان في الدنيا، يؤلف كتاباً ويظل فيه أعواماً حتى يتمه إلا ويقول: نعتذر على التقصير، ونرجو من القارئ الكريم أن يغض الطرف عن الخلل، وإذا لاحظ شيئاً فعليه أن ينبهنا، فإن أحسنت فمن الله وإن أخطأت فمني ومن الشيطان، هذا كله جهد البشر.

أما كتاب الله فيقول الله فيه من أول آية من القرآن: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:٢] ليس فيه شك، تحدٍ صارخ لا شك فيه أبداً، وهاهو القرآن منذ ألف وأربعمائة سنة إلى يومنا هذا، وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يوجد فيه أبداً آية تعارض الأخرى، يقول الله عز وجل: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:٨٢] .

الآن الأمم والدول تشرع تضع أنظمة وقوانين على مستويات كثيرة، ولكن لا يمر على التطبيق سنة، إلا ويدخلون تحسينات، وتعديلات، وتفسيرات، والمقصود من المادة كذا وكذا، والمقصود من الباب كذا، لماذا؟ لأنه من خلال التطبيق يتضح الخطأ، لكن من تطبيق كلام الله في حياة البشر لم يتضح ولن يتضح، يقول الله عز وجل: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:٨٨] {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:٢٩] كتاب {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:٤٢] .

ولهذا رب العالمين يقول للناس: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ} يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:٥١] وهو دليل واضح على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، كتاب كريم، مائة وأربعة عشر سورة، اشتمل على جميع ما في الأرض (فيه خبر ما قبلكم، وحكم ما بينكم، ونبأ ما بعدكم، هو الفصل ليس بالهزل، ما تركه من جبار إلا قصمه الله) هذا واقع، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله (هو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم) هذا الكتاب العظيم الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول فيه الإمام الصنعاني في بائيته:

أما آن عما أنت فيه متاب وهل لك من البعاد إياب

تقضت بك الأعمار في غير طاعة سوى أمل ترضاه وهو وسراب

ثم قال:

ولم يبق للراجي سلامة دينه سوى عزلة فيها الجليس كتاب

كتاب حوى كل العلوم وكل ما حواه من العلم الشريف صواب

فإن رمت تاريخاً رأيت عجائبا ترى آدماً مذ كان وهو تراب

وشاهدت قابيل قتيل شقيقه يواريه لما أن أراه غراب

ثم قال بعدها:

ففيه الدواء من كل داء فثق به فوالله ما عنه ينوب كتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>