للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إحاطة السماء بالأرض لا تقتضي إحاطة الله بمخلوقاته]

الثانية: أن القول بأن السماء محيطة بالأرض لا يقتضي أن يكون الله بذاته محيطاً بمخلوقاته كما ادعى أهل الضلال الذين يكيفون ذات الله سبحانه وتعالى.

وإنما نقول: إن هذه الأرض ما هي إلا ذرة صغيرة في الكون تحيط بها ملايين المجرات، وتحيط بها السماوات وفوق السماوات عرش الرحمن سبحانه وتعالى، والله فوق العرش وهو أعظم منها، ولايقدر قدره إلا الله سبحانه وتعالى، وقد أخبرنا سبحانه وتعالى أنه يقبض السماوات بيمينه، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:٦٧] ، فإذا كانت هذه السماوات وهذه المجرات وما يتبعها مطويات بيمينه، فلا يتصور أحد أن الأرض تحيط بها السماء من كل جانب، وأن الله سبحانه وتعالى له ذات، وهذه الذات بشكل كيت وكيت وهي تحيط بالمخلوقات.

وإنما الواجب أن يعلم المرء أن الله سبحانه وتعالى على العرش استوى، وهذه الأرض وما حولها كلها حقيرة بالنسبة له سبحانه وتعالى.

ومن ثمَّ فلا يلزم ذلك اللازم الباطل، ولهذا شبه بعض علماء السلف رحمهم الله تعالى تشبيهاً في هذه المسألة يوضحها فقال: لو أن نسراً طار في السماء، وأمسك برجله شعيرة، فهذه الحبة بالنسبة للنسر تحته، فهل يقتضي هذا أن يكون هذا النسر على هذا النحو محيطاً بالحبة؟ لا يلزم، ولله المثل الأعلى.

وقد أخبرنا الله أن السماوات والأرضين كلها مقبوضة بيد الرحمن تبارك وتعالى، وعلى هذا فهي لا تساوي شيئاً، كما ورد في الحديث: (ما السماوات السبع والأرضون السبع في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم) .

إذاً: الفهم الخاطئ في هذا الأمر نشأ من قصور العقل، ونشأ من التشبيه؛ حيث ظن الإنسان أن الله مثلما نقول: فلك أو جبل أو نحو ذلك، ثم قاس الله سبحانه وتعالى بها، فإذا كانت السماوات بملايين المجرات في يد الرحمن كخردلة في يد أحدهم، فكيف يتصور أحد ذلك التصور الساذج؟! بل نقول: سبحانك يا إلهنا ما أعظمك! وما عبدناك حق عبادتك، ونؤمن بالله سبحانه وتعالى وبأسمائه وصفاته، ولا يخطر ببالنا أي شيء من هذا الأمر.

فالإيمان الصحيح بالله وأسمائه وصفاته وعظمته يجعل الإنسان يعبد رباً عظيماً رحيماً قديراً خبيراً أحاط بكل شيء علماً، يعبد رباً على العرش استوى استواءً يليق بجلالته وعظمته، يعبد رباً لا تساوي هذه المخلوقات بالنسبة له شيئاً، وإذا آمن بذلك أيقن يقيناً تاماً أنه لا يمكن أن يكون الله إلا في جهة العلو، وأن أي اعتقاد عدا ذلك من حلول كامل أو حلول محدد بشخص أو مكان، أو القول بإن الله لا داخل العالم ولا خارجه أو نحو ذلك، ما هو إلا دوران حول أنواع من الشرك بالله، نسأل الله السلامة والعافية.

<<  <  ج: ص:  >  >>