للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[لا تعارض بين القدر والشرع]

يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ولا نجعل قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره، واجتناب نواهيه، بل يجب أن نؤمن، ونعلم أن لله علينا الحجة بإنزال الكتب، وبعثة الرسل، قال الله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:١٦٥] ، ونعلم أن الله سبحانه وتعالى ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك، وأنه لم يجبر أحداً على معصية، ولا اضطره إلى ترك طاعة] .

وهذا هو بيت القصيد فيما يتعلق بالقضاء والقدر في كل وقت، لكن في هذه الأيام خاصة؛ فإنه كثيراً ما يقع الخلط في باب القضاء والقدر على وجه باطل، وأحب أن أقول: إن أكبر مشكلة في قضية القضاء والقدر هي: الزعم بأن هناك تناقضاً بين القدر وبين الشرع! فالمؤمن هو الذي يؤمن بقضاء الله وقدره، ويؤمن بأمره وشرعه، فهذه عنده قضية أساسية، قال تعالى {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:٥٤] ، فالخلق هو القضاء والقدر، والأمر هو الشرع، فمن جعل بينهما تعارضاً وتناقضاً وتصادماً فهذا هو الذي يقع في ورطة الاحتجاج بالقضاء والقدر.

أما المؤمنون الصادقون فعندهم إيمان بالقضاء والقدر، وعندهم إيمان بالشرع واتباع له، ولا يخطر ببال الواحد منهم أن بينهما تعارضاً، كما يقول البعض: إذا قدر الله علي المعصية كيف يأمرني بأن لا أعصي؟! فنحن نقول: القضاء والقدر والشرع مصدرها ربنا سبحانه وتعالى، وما كان من الله فلا يمكن أن يكون متعارضاً متناقضاً، وأكبر دليل على ذلك هو أنك لو تأملت حياة ملايين من المسلمين لوجدت أن هؤلاء الملايين يعيشون حياة مستقرة طبيعية دون أن يكون عندهم شعور بالتصادم بين القضاء والقدر، وتجد الواحد من هؤلاء مؤمناً بالقضاء والقدر، وأن كل ما يجري ويقع هو بقضاء الله وقدره، ثم بعد ذلك تجده ممتثلاً لأمر الله وشرعه، وإذا فعل طاعة حمد الله وشكره وزاد في الطاعة، وإذا فعل معصية علم أنها معصية، وأنه هو الذي فعلها، وعلم أنه يستحق العقوبة، فتاب إلى الله واستغفر، وحاول أن يبدل تلك السيئة حسنة.

فهل وجدتم واحداً من آبائنا أو أمهاتنا عنده مشكلة الصراع بين القضاء والقدر، وأمر الله وشرعه؟! وهذا يدل على أن الإيمان بالقضاء والقدر والإيمان بالشرع لا يتولد عنهما ما يتوهمه البعض من مشكلة القضاء والقدر.

فهذه قضية أولية ينبغي أن نعلمها، وأن نسلم بها أولاً، لأن هذه يجتمع فيها أمران: الأمر الأول: تلازم وتوافق الأدلة التي أتت بالإيمان بالقضاء والقدر، وأتت بوجوب الطاعة في الشرع، وأيضاً من الناحية الواقعية فإن المؤمنين أتباع الرسل، وصحابة رسول الله، والتابعين لهم بإحسان، ومن جاء بعدهم إلى يومنا هذا يؤمنون بالقضاء والقدر، ويعلمون أن كل ما يجري فهو بقضاء الله وقدره، ويصدقون بالشرع، ولا يخطر ببالهم تعارض وتنازع بين القضاء والقدر، وبين الأمر والشرع.

<<  <  ج: ص:  >  >>