للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إلزام من يحتج على المعصية بالقدر]

الأمر الثاني: أن جعل القضاء والقدر حجة على ترك الشرع والأمر والنهي شبهة شيطانية، والدليل على أنها شبهة شيطانية أن صاحبها يقع في تناقض عجيب! لأن الإنسان يوجب التعارض بين القضاء والقدر وبين الشرع فيما بينه وبين الله، لا فيما بينه وبين الخلق.

فمثلاً: الواحد من هؤلاء الذين يحتجون بالقضاء والقدر على المعاصي إذا فعل المعصية قال: بقضاء الله وقدره، وإذا وقع في الفاحشة قال: بقضاء الله وقدره، والمفترض فيه أيضاً أن يجعل هذا أيضاً مستمراً حتى في تعامله مع الخلق، لكن لا يفعل كذلك؛ فإن الواحد من هؤلاء لو جاء واحد وسرق ماله، فإن المفترض أن يقول: سرق هذا السارق بقضاء الله وقدره، إذاً هو مكتوب عليه، ومكتوب عليّ، فينبغي ألا نحاسبه.

لكن هل يصنع الإنسان الذي يُسرق ماله هذا؟ هل يحتج بالقضاء والقدر؟

الجواب

لا، وإنما سيبحث عن السارق، ويذهب إلى الشرطة، وإذا قبض عليه يريد أن ينزل به العقوبات، ولو جاء السارق، وقال: يا أخي ارحمني؛ أنا سرقت بقضاء الله وقدره، فإنه لن يقبل منه.

إذاً: دل هذا على أن الإنسان فيما يتعلق بمصلحة نفسه بينه وبين العباد لا يحتج بالقدر، وإنما يحتج به -نسأل الله العافية- فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى.

ولذا لو جاء إليه واحد وضربه فالمفترض أن يرضى ويسلم، ويقول: الحمد لله، هذا بقضاء الله وقدره؛ فهذا الذي ضربني ما ذنبه وضربه لي مقدر؟ وهكذا لو جاء واعتدى على عرض زوجته أو أخته، فالمفترض أن يرضى بالقضاء والقدر، ولا يعترض عليه ويقول: هذا مقدر! ولو جاء واحد واعتدى على ابنه أو أخيه وقتله عمداً وعدواناً، فالمفترض فيه أن يسلم، ويقول: مكتوب على القاتل أن يقتل، ومكتوب على هذا الابن أو الأخ أن يُقتل، فالحمد لله، أنت في أمان الله، اذهب لسبيلك، لكن هل يصنع الإنسان هذا؟ الجواب: لا، بل يعترض اعتراضاً عظيماً.

ولو جاءه أهل القاتل يقولون له: يا أخي هذا مكتوب عليه، لما ققبل ذلك، فنقول له: لماذا لا تصنع هذا فيما يتعلق بمعصيتك؟! ولماذا إذا كانت المسألة بينك وبين العباد تحولت إلى قدري تنكر القدر، وإذا كانت بينك وبين الله تحولت إلى جبري، وهذا كما قال بعض السلف: أنت عند الطاعة قدري، تفخر على ربك، تقول: أنا فعلت وأريد الثواب، وعند المعصية جبري، تقول: يا رب! أنا مجبور، ما ذنبي؟ كيف أعذب؟ كيف أعاقب؟ إذاً: دل هذا على أن الذي يحتجون بالقضاء والقدر على المعاصي متناقضون تناقضاً عظيماً، والذي دعاهم إلى ذلك شبهة شيطانية؛ يريد الشيطان بأحدهم أن يسرف على نفسه في الفسق والعدوان، وإلا فإذا كان عاقلاً فعليه أن يأخذ القضية من ناحية عقلية بحتة، فالمفترض فيه أن يحتج بالقدر فيما بينه وبين الله، ويحتج بالقدر أيضاً فيما بينه وبين العباد سواء بسواء.

أما أن يعامل الله بطريقة، ويعامل العباد بطريقة أخرى فهذا يدل على الهوى، ويدل على أن المسألة ما هي إلا شبهة شيطانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>