للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى قول الإمام أحمد: (نؤمن بأحاديث الصفات ولا كيف ولا معنى)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينزل إلى سماء الدنيا) ، (وإن الله يرى في القيامة) ، وما أشبه هذه الأحاديث: نؤمن بها، ونصدق بها، ولا كيف ولا معنى] .

ويلاحظ أن الإمام أحمد هنا استشهد بأحاديث فيها دليل على إثبات الصفات لله سبحانه وتعالى من السنة الصحيحة، فنزول الله تعالى إلى سماء الدنيا ثابت، ودلت عليه الأحاديث الصريحة الصحيحة الكثيرة، ونزوله كما يليق بجلاله وعظمته ثابت أيضاً، يثبته أهل السنة والجماعة.

وكذلك أيضاً: إن الله يراه المؤمنون في الآخرة دلت عليه الأحاديث المتواترة، وهكذا غيرها من الأحاديث التي تثبت الصفات، قال عنها الإمام أحمد: (نؤمن بها، ونصدق بها، ولا كيف) ، أي: لا نكيفها؛ لأننا لا نعلم ذات الله تعالى فلا نكيفها، ثم قال: (ولا معنى) ، أي: لا نتعرض بالمعاني الأخرى الباطلة، فنأتي لها بمعانٍ جديدة.

ولهذا قال: [ولا نرد شيئاً منها، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم] .

ولهذا لما كان أحد الأئمة -وهو إسحاق بن راهويه - عند ابن طاهر أمير خراسان يحدث له، ويقرأ عليه الأحاديث، فقرأ عليه بأسانيده أحاديث النزول بطرقها: (إن الله تعالى ينزل كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه) ، فقال عبد الله بن طاهر -وفي بعض روايات القصة: أنه أحد الجالسين-: كيف ينزل؟ كيف تحدث بهذه الأحاديث التي فيها أن الله ينزل؟ وإلى الآن كثير من الناس يعترض ويقول: الذي ينزل هو رحمته الذي ينزل هو أمره الذي ينزل هو ملك من الملائكة؛ لأنهم يستثقلون مثل هذا الحديث الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق عديدة صحيحة، ويظنون أنه يلزم منه التشبيه، وأن نزول الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا مثل نزول المخلوقين.

فهذا الأمير احتار، وقال: كيف ينزل؟ وكيف تحدث بهذه الأشياء؟ فقال له إسحاق بن راهويه: يا أمير! هذه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم نرويها، بها نحرم الحرام، وبها نحل الحلال، وبها نستحل الفروج، وبها تقطع الرقاب.

يعني: أننا نثبت بها الأحكام، ونفس الإسناد الذي نقطع به رقبة فلان شرعاً هو الذي نحدث به بمثل هذا الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

فإذا أردتنا أن نرد هذا فلنرد الشريعة الإسلامية من أولها إلى آخرها، ولنرد سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها.

فكان الأئمة رحمهم الله تعالى يروون هذه الأحاديث لا يفرقون بينها، المهم أن تكون صحيحة الإسناد، ثابتة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما دلت عليه من صفة فإنهم يثبتونها كما لو دل عليها القرآن، فلا يفرقون بين القرآن وبين السنة في أي شيء.

ولهذا قال الإمام أحمد: (ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، أي: ما دام الإسناد ثابتاً فإننا نؤمن به ونصدقه، ونثبت هذه الصفات كما يليق بجلاله وعظمته من غير تحريف ومن غير تكييف، ومن غير تشبيه ومن غير تمثيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>