للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثبات صفة العجب لله عز وجل]

بدأ المصنف رحمه الله تعالى بذكر صفات الله سبحانه وتعالى الثابتة في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: [ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا) ] .

وقد سبق الحديث عنه في الدرس الماضي.

ثم قال: [وقوله: (يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة) ] .

ومعنى الحديث: أن الله سبحانه وتعالى يعجب من هذا الشاب أنه مع نشاطه وقوة رغباته وشهواته المتعددة لا تكون له صبوة، أي: لا يكون له ذنب، ولا يرتكب كبيرة، ولا يرتكب معصية؛ فيعجب ربنا سبحانه وتعالى من هذا، وهذه الصفة لله سبحانه وتعالى هي كما يليق بجلاله وعظمته؛ لكن هذا الحديث في حد ذاته تكلم فيه العلماء، فهو حديث رواه الإمام أحمد في المسند والطبراني وغيره، لكنه ضعيف وإن قواه بعض العلماء كـ السخاوي في كتابه (المقاصد الحسنة) ، لكن يغني عنه دليلان أحدهما في كتاب الله، والثاني في صحيح البخاري؛ فأما الذي في كتاب الله تعالى فقول الله تبارك وتعالى: (بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ) ؛ على قراءة ضم التاء، وهذه القراءة سبعية؛ قرأ بها حمزة وخلف والكسائي، ومن ثمَّ فإنها قراءة صحيحة أنه يجوز القراءة بها.

وكذلك ورد في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قصة الصحابي هو وزوجه وضيفهم حين استضافوه وليس معهم من الطعام ما يكفي، فأطفئوا السراج، وأوهموه أنهم يأكلون، وجعل الضيف يأكل حتى شبع، فلما أصبح الصباح قال النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الصحابي: (لقد عجب ربك- وفي رواية: ضحك ربك - من صنيعكما البارحة بضيفكما) ، فقوله: (عجب) نأخذ منه ومن الآية إثبات هذه الصفة لله سبحانه وتعالى التي هي صفة العجب.

والعجب والتعجب أحياناً ينشأ من الجهل، مثل أن يطلع الإنسان على صنعة أو قوة معينة لفارس أو شخص فيعجب من ذلك، وأحياناً يكون العجب لأمر آخر، وهو كون هذا الشيء جاء على صفة غير معروفة وغير متوقعة وإن كان الإنسان لا يجهلها، ولكن بالنسبة لله سبحانه وتعالى نثبت له هذه الصفة كما يليق بجلاله وعظمته، ولا تقاس بصفة المخلوقين، وليس عجبه كعجب المخلوقين؛ فعجب المخلوقين قد ينشأ أحياناً من جهل وأحياناً من قلة فهم لهذه القضية، لكن عجب ربنا سبحانه وتعالى هو صفة تليق بجلاله وعظمته، ولا يترتب عليها جهل، ولا يترتب عليها عدم إدراك ومعرفة لهذا المتعجب منه، بل هي صفة تليق بجلاله وعظمته كما في الحديث الذي تقدم، وفيه أن صحابيين أطعما ضيفهما وتركا نفسيهما، والله سبحانه وتعالى عليم بهما مطلع عليهما، ومع ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (عجب ربك من صنيعكما البارحة) ، وفي رواية: (ضحك ربك من صنيعكما البارحة) ، فعجبه سبحانه وتعالى ليس ناشئاً عن جهل، وإنما هو عجب يليق بجلاله وعظمته، وهذه الصفة نثبتها لله سبحانه وتعالى كغيرها من الصفات، ولا يلزم منها مشابهة المخلوقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>