للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب التفريط في الأعمال الصالحة]

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر، والشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادة الغرر.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله: ثم اعملوا أن للتفريط في الأعمال الصالحة أسباباً كثيرة يطول حصرها، غير أن من أهمها ما يلي: الغفلة عن مدى حاجة المرء المسلم إلى تحصيل مثل هذه الأجور المضاعفة والتي قد يسد بها نقصاً كبيراً من الخلل الوارد على الفرائض، ناهيكم عن التزود في الطاعة، والله -جل وعلا- يقول: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:١٩٧] .

ومن الأسباب: ضعف التصور الصحيح، أو تلاشيه وبعده عن حقيقة أجور بعض الأعمال المضاعفة.

فإن الاستمساك بالشيء والعض عليه بالنواجذ، إنما هو فرع عن تطوره وإدراكه، يقول ابن الجوزي رحمه الله: "من لمح فجر الأجر هان عليه ظلام التكليف".

ومن الأسباب كذلك: توهم البعض من الناس أنهم بلغوا درجةً عُليا من كمال زائفٍ في الجوانب الإيمانية، مما شكَّل حاجزاً منيعاً في الحيلولة دون اغتنام الفرص وزيادة نسبة الإيمان لدى الواحد منهم.

ومنها: يا رعاكم الله! العجز والكسل اللذان تعوَّذ منهما النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان العاجز معذوراً في بعض الأحايين لعدم قدرته، فإن الكسول الذي يتثاقل ويتراخى مع القدرة قد لا يُعذر {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة:٤٦] .

وآخر الأسباب: كثرة الاشتغال بالمباحات والإفراط فيها، حتى ينغمس فيها المرء فيثقل، ويركن إليها فيبرد.

ولذلك كان نهج السلف واضحاً في الإقلال من المباحات الملهية، والتي يأنس لها القلب فتقعده عن قربة مستحبةٍ، أو فرصة سانحة، ولذلك قال الإمام أحمد رحمه الله: "إني لأدع ما لا بأس فيه خشية الوقوع في ما فيه بأس".