للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الهدي النبوي في التعامل مع الرؤى]

عباد الله! لقد تكالبت همم كثيرٍ من الناس في هذا العصر بسبب الخواء الروحي الذي يتبعه الجزع والفرق ونأي النفس عن تعلقها بالله، وإيمانها بقضائه وقدره، وبما كان ويكون، وأن شيئاً لن يحدث إلا بأمر الله ومشيئته، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، حتى لقد تعلقت نفوسهم بالرؤى والمنامات تعلقاً خالفوا فيه من تقدمهم في الزمن الأول من السلف الصالح، ثم توسعوا فيها وفي الحديث عنها والاعتماد عليها؛ إلى أن أصبحت شغلهم الشاغل عبر المجالس والمنتديات والمجامع بل والقنوات الفضائية إلى أن طغت على الفتاوى الشرعية، فأصبح السؤال عن الرؤى أكثر بأضعافٍ من السؤال في أمور الدين، وما يجب على العبد وما لا يجب كل ذلك إبَّان غفلة وسِنة عما ينبغي أن يقفه المؤمن تجاه هذه الرؤى.

وإن هناك هدياً نبوياً للتعامل معها، ينبغي ألا يتجاوزه المرء فيطغى، ولا يتجاهله فيعيا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء، فأغنانا في الحديث عنها عن إتعاب النفس في التعلق بها والسعي الدءوب في معرفة تأويلها، بَلْه التعلق بها والاعتماد عليها، وما تهافُتُ الناس بالسؤال عنها بهذه الصورة المفْرِطة إلا لونٌ من ألوان الخروج عن الإطار المرسوم، والتوازن المتكامل، فتجد أحدنا يرى الرؤيا أياً كانت، فتضطرب لها حواسه، وترتعد منها فرائصه، وتحبس أنفاسه، فلا يطفئ ذلك إلا البحث بنهمٍ عن معبر لها ليعبرها حتى يظهر له أشرٌ هي أم خير، ولو وقف كل واحدٍ منا عند الهدي النبوي مع الرؤى، لما رأينا مثل هذه الجلبة ولا مثل هذا التعلق الشاغل الذي استثمرته بعض المجامع والمنتديات، فضلاً عن الفضائيات التي جعلته وسيلة جلبٍ واستقطابٍ لمشاهديها من خلال هذا الطُعم المهوع.