للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آداب التعامل مع الرؤى]

ولأجل أن نقف جميعاً على صورة مثلى للتعامل مع الرؤى المتكاثرة؛ فلنستمع إلى جملة من الآداب المرعية تجاه هذه الظاهرة الناخرة في المجتمع.

فقد روى مسلم في صحيحه أن أبا سلمة قال: {كنت أرى الرؤيا فتمرضني، حتى لقيت أبا قتادة فذكرت ذلك له، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم حلماً يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثاً وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره} وفي رواية عند مسلم قال أبو سلمة: {إن كنت لأرى الرؤيا أثقل علي من جبلٍ، فما هو إلا أن سمعت بهذا الحديث فما أباليها} .

ومن هنا -يا عباد الله- فما كل ما يراه النائم يعد من الرؤى التي لها معنىً تفسر به؛ إذ إن ما يراه النائم في منامه يتنوع إلى ثلاثة أنواع لا رابع لها، كما عند ابن ماجة من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزءٌ من ستة وأربعين جزءاً من النبوة} .

يقول البغوي رحمه الله: في هذا الحديث بيان أنه ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحاً ويجوز تعبيره، إنما الصحيح منها ما كان من الله عز وجل، وما سوى ذلك أضغاث أحلامٍ لا تأويل لها.

ومثال هذه الأضغاث ما رواه مسلم في صحيحه: {أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! رأيت في المنام كأن رأسي ضرب فتدحرج فاشتددت على أثره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: لا تحدث الناس بتلاعب الشيطان بك في منامك} .

وأما موقف المرء من هذا النوع من الرؤى -وهو الغالب على حال الكثيرين- فإنه قد جاء في السنة آدابٌ خاصة به في أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما وهي:

التعوذ بالله من شر هذه الرؤيا ومن شر الشيطان، وأن يتفل الرائي حين يَهبُّ من نومه ثلاثاً عن يساره، وألا يذكرها لأحدٍ أصلاً، وأن يصلي ما كتب له، وأن يتحول من جنبه الذي كان عليه، وزاد بعض أهل العلم قراءة آية الكرسي؛ لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من قرأها لا يقربه شيطان} وهذا النوع من الرؤى إنما هو من الشيطان.

يقول النووي رحمه الله: وينبغي أن يجمع الرائي بين هذه الآداب كلها ويعمل بجميع ما تضمنته الروايات، فإن اقتصر على بعضها أجزأه في دفع ضررها بإذن الله، كما صرحت بذلك الأحاديث.

وأما النوع الثاني من الرؤى فهو: ما يحدث به المرء نفسه في يقظته؛ كمن يكون مشغولاً بسفرٍ أو تجارةٍ أو نحو ذلك، فينام فيرى في منامه ما كان يفكر فيه في يقظته، وهذا من أضغاث الأحلام التي لا تعبير لها.

فلا يبقى إلا النوع الثالث، وهو: الرؤيا الصادقة الصالحة التي تكون من الله، وهي التي تكون بشارةً أو نذارةً، وقد تكون واضحة ظاهرة لا تحتاج إلى تأويلٍ، كما رأى إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ابنه في المنام.

وقد تكون خافيةً برموزٍ تحتاج فيها إلى عابرٍ يعبرها، كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام، وهذا النوع هو الذي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقَصَّ إلا على عالمٍ أو ناصح، فقد قال صلوات الله وسلامه عليه: {لا تقص الرؤيا إلا على عالمٍ أو ناصح} رواه الترمذي.