للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التقوى جماع كل خير]

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسبباً للمزيد من فضله، ودليلاً على آلائه وعظمته، أمره قضاء وحكمة، ورضاه أمان ورحمة، يقضي بعلمه، ويعفو بحلمه، نحمدك اللهم على ما تأخذ وتعطي، وعلى ما تعافي وتبتلي، الحمد لك يا رب! إذ لم تجعلنا ميتين ولا سقماء، ولا مضروبين على عروقنا بسوء، ولا مقطوعاً دابرنا، ولا مرتدين عن ديننا، ولا منكرين لربنا، ولا مستوحشين من إيماننا، ولا معذبين بعذاب الأمم من قبلنا، أصبحنا عبيداً مملوكين لك، لك الحجة علينا، ولا حجة لنا عليك، لا نقدر أن نأخذ إلا ما أعطيتنا، ولا أن نتقي إلا ما وقيتنا، نحمدك اللهم على آلائك، كما نحمدك على بلائك، شرنا إليك صاعد، وخيرك إلينا نازل، نستعين بك اللهم على هذه النفوس في البطاء عما أمرت به، والسراع إلى ما نهيت عنه، ونستغفرك اللهم مما أحاط به علمك، وأحصيته في كتابك، علمٌ غير قاصر، وكتابٌ غير مغادر.

وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، شهادتين تصعدان القول وترفعان العمل، لا يخف ميزان توضعان فيه، ولا يرجح ميزان ترفعان عنه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الأتقياء البررة، وعلى من سار على طريقهم واقتفى أثرهم إلى يوم المعاد.

نستغفر الله نستغفر الله نستغفر الله نستغفر الله اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً، وأمددنا بأموال وبنين، واجعل لنا جنات واجعل لنا أنهاراً.

أما بعد:

فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، التي هي الزاد وبها المعاد، زاد مبلغ، ومعاد منجح، دعا إليها أسمع داع، ووعاها أفقه واع، فأسمع داعيها وفاز واعيها.

عباد الله: إن تقوى الله سبحانه حمت أولياء الله عن محارمه، وألزمت قلوبهم مخافته استقربوا الأجل فبادروا العمل، وكذبوا الأمل ولاحظوا الأجل، ثم إن الدنيا دار فناء وعناء، وإن ملك الموت لموتر قوسه، لا تخطئ سهامه، ولا تنسى جراحه، فبادروا العمل، وخافوا بغتة الأجل، فإنه لا يرجى من رجعة العمر ما يرجى من رجعة الرزق، فإن الرجاء مع الجائي واليأس مع الماضي.

وإن من العناء -يا عباد الله- أن يجمع المرء ما لا يأكل، ويبني ما لا يسكن، ثم يخرج إلى الله لا مالاً حمل، ولا بناءً نقل، فسبحان الله! ما أغر قصور الدنيا، وأظمأ ريها، وأضحى فيئها! فلا جاءٍ يرد، ولا ماض يرتد.

أيها الناس: إنه ليس شيء بشر من الشر إلا عقابه، وليس شيء بخير من الخير إلا ثوابه، واعلموا -يا رعاكم الله- أن ما نقص من الدنيا وزاد في الآخرة خير مما نقص من الآخرة وزاد في الدنيا، فكم من منقوص رابح؟ وكم من مزيد خاسر؟ ألا وإن الذي أُمرتم به أوسع من الذي نُهيتم عنه، وما أحل لكم أكثر مما حُرِّم عليكم، فذروا ما قلّ لما كثر، وما ضاق لما اتسع.

نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً.