للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العقل الموفق والعقل المخذول]

ثم إن العقل البشري الذي يستطيع أن يؤدي وظيفته على أكمل وجه، هو ذلكم العقل الذي تجرد عن الهوى، وخلص من رقة التقليد الأعمى، فلم يتأثر بالآراء والأفكار المنحرفة، التي تدفعه للوقوع في الضيق والضلال، كما أنه لم يعطل قواه باتباع أعمى فينجر به إلى انحراف ذريعٍ وزيغٍ مردٍ، هذا هو العقل الذي يمكن أن يحمل رسالة الإسلام حملاً صحيحاً، وأما الذين كبلوا عقولهم وعطلوها عن موارد النهل الصافي فهم الذين قال الله عنهم: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:٢٢-٢٣] ، ولأجل ذلك كان جواب أمثال هؤلاء يوم القيامة: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:١٠-١١] .

وجماع ما مضى ذكره عباد الله هو ما ذكره أبو القاسم الأصفهاني رحمه الله بقوله: العقل نوعان: عقلٌ أُعين بالتوفيق، وعقلٌ كيد بالخذلان.

فالذي أعين بالتوفيق يدعو صاحبه إلى موافقة الأمر المفترض بالطاعة، والإنقياد لحكمه والتسليم به، والعقل الذي كيد يطلب بتعمقه الوصول إلى علم ما استأثر الله بعلمه، وحجب أسرار الخلق عن فهمه حكمةً منه بالغة.