للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طوائف المخالفين للشريعة]

الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فاتقوا الله أيها المسلمون، واقدروا الله حق قدره، وإياكم ومحدثات الأمور، والمخاصمة لنصوص الشارع بعقولكم وآرائكم، ولا تجعلوا شيئاً من ذلك مقدماً عليها فما وافق العقول قبلتموه، وما لا فلا؛ لأن هذه بلية عظمى، وهوة كبرى، اتسع نطاقها في بقاع شتى من ديار الإسلام، وأصحابها يصفون أنفسهم بالعقلنة، أو الاستنارة، أو التحرر.

ثم لتعلموا أيها المسلمون! أن الذين يخالفون بعض النصوص بسبب أن عقولهم لا تحتملها أو لا تقتنع بها، أو بأي حجة، رجحوا فيها كفة العقل على كفة الشرع، فإنهم لا يخرجون عن خمس طوائف كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله:

فالطائفة الأولى: عارضت الوحي بالعقل وقدمت عليه العقل، فقالوا لأصحاب الوحي: لنا العقل ولكم النقل.

والطائفة الثانية: عارضته بآرائهم وقياساتهم، فقالوا لأهل الحديث: لكم الحديث ولنا الرأي والقياس.

والطائفة الثالثة: عارضته بأذواقهم وحقائقهم، وقالوا: لكم الشريعة ولنا الذوق والحقيقة.

والطائفة الرابعة: عارضت الوحي بسياساتهم وتدبيرهم، فقالوا: أنتم أصحاب الشريعة ونحن أصحاب السياسة.

والطائفة الخامسة: عارضته بالتأويل الفاسد، وادعوا أنهم يفهمون أكثر مما يفهمه أهل الحديث والفقه.

ثم إنه إذا رد على كلٍ من هؤلاء باطله، رجع إلى طاغوته وقال: في العقل ما لا يقتضيه النقل، وقال الآخر: في الرأي والقياس ما لا يجيزه الحديث، وقال الثالث: في الذوق والحقيقة ما لا تسوغه الشريعة، وقال الآخر: في السياسة ما تمنع منه الشريعة.

وهكذا دواليك حتى لا يبقى من الشريعة إلا اسمها، فباطل هؤلاء كلهم لا ضابط له، بخلاف الوحي فإنه أمرٌ مضبوط مطابقٌ لما عليه الأمر في نفسه، تلقاه الصادق المصدوق من لدن حكيمٍ عليم.

وقد قال ابن تيمية رحمه الله: ما علم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط، ونحن نعلم أن الرسل لا يخبرون بمحالات العقول بل بمحارات العقول، فلا يخبرون بما يعلم العقل انتفاءه، بل يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته، ويدل لذلك عباد الله، أن الله تعالى ذم المنافقين الذين كانوا يرجعون في نفاقهم إلى عقولهم فقال سبحانه وتعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:٧٥] أي من بعد ما قالوا: وقفنا على كلام الله تعالى بعقولنا وهم يعلمون بطلان ما أدركوه بعقولهم، ويؤكد هذا الأمر أن الله تعالى قال عن جهابذة كفار قريش وصناديدهم: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا} [الطور:٣٢] أي عقولهم، فدل على أن العقل لا يهدي إلى الدين استقلالاً.

فالله الله! أمة الإسلام في دينكم، وحذار حذار! أن يؤتى هذا الدين من قبل تسليط الأفهام والعقول القاصرة عليه! وليكن موقفنا من شريعة ربنا كلها سواء أدركنا ذلك بعقولنا أو لم ندرك أن نقول: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:٧-٨] .

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم! اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام!

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.