للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[زعزعة الأمن وخطرها]

إن المرء المسلم في فسحةٍ من دينه، عن أن يَزُجَّ بنفسه في مهاوي الرذيلة، ومحال الريب.

إن مزعزع الأمن ومخلخله إنما هو بادي الرأي يزعزع أمن نفسه ووالديه وبقية أسرته قبل أن يُزعزع أمن غيره من الناس، كل هذا يبدو واضحاً جلياً في مثل كأس خمر، أو قتل نفس، أو جرعة مخدر، أو هتك عرض، أو إحلال فساد بين الخلق، بمثل ذلك ينسلخ مواقع هذه الأمور عن إنسانيته وإسلاميته، ويتقمص شخصية الإجرام، والفتك، والفاحشة، والإضلال بالمسلمين؛ فيشل الحياة، ويهدم صرح الأمة، ويوقع مجتمعه وبني ملته في وهدة الذل والدمار، فيخل بالأمن، ويروِّع المجتمع، ويُبدِّد أمنهم شذر مذر.

إنه متى امتد شذوذ المرء ليشمل الآخرين، ويمس من أهله ومجتمعه؛ فإنه -لا محالة- يعرض نفسه لحتفه، بالغاً ما بلغ من العنفوان والشجاعة، وإلا فلو فكر مزعزع الأمن ملياً في مصير والده ووالدته، حينما تأخذهما الحسرات كل مأخذ، وهما اللذان ربَّياه صغيراً، يتساءلان في دهشة وذهول: أمِنَ المعقول أن يكون من ولدناه تحت ناظرنا معول هدم لأمن المجتمع وصرحه؟!

أما يفكر مزعزع الأمن في زوجه وأولاده الذين يُخشى عليهم الضياع من بعده، والأسى من فقده؟!

ألا يشعر بأن زوجه أرملة ولو كان حياً؟!

أوما يشعر بأن أولاده أيتام ولو كان له عرق ينبض؟!

{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:٩] .

ألا يُفكِّر مُزعزع الأمن كيف يحل عليه الضعف محل القوة، والهم من نفسه محل الفرح، والكدر مكان الصفاء؟! حيث لم يعد يؤنسه جليس، ولا يريحه حديث، فهو قلق متوجس، كثير الإلتفات، فكيف يصل إلى منشوده ومبتغاه بعد أن يسأم الحياة بفعله الشاذ؟! والذي سيجعله قابعاً في غياهب السجون بسبب جرمه، فضلاً عما يُخالج أنفاسه وأحاسيسه؛ من ارتقاب عقوبة كامنة عند كل طرقة باب، لا سيما إن كان في هذه العقوبة حتفه، وتغييبه من هذه الحياة.

ولا غرو في ذلك! فإن في قتل مجرم واحد حياة هنيئة لأمة بأكملها: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:١٧٩] وقديماً قيل: القتل أنفى للقتل.