للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دور العقوبات في استتباب الأمن]

أيها المسلمون: من أجل استتباب الأمن في المجتمعات، جاءت الشريعة الغراء بالعقوبات الصارمة، وحفظت للأمة في قضاياها ما يتعلق بالحق العام والحق الخاص، بل إن من المُسَلَّم في الشريعة قطع أبواب التهاون في تطبيقها أياً كان هذا التهاون؛ سواء كان في تنشيط الوسطاء في إلغائها، أو في الاستحياء من الوقوع في وصمة نقد المجتمعات المتحضرة.

فحفظاً للأمن والأمان غضب النبي صلى الله عليه وسلم على من شَفِعَ في حدِّ من حدود الله بعدما ما بلغ السلطان، وأكَّد على ذلك بقوله: {وايم الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها} وما ذاك -أيها الناس- إلا من باب سد الذريعة المُفضية إلى التهاون بالحدود والتعزيرات، أو التقليل من شأنها.

وإنه حين يدب في الأمة داء التسلل الأمني، فإن أفرادها بذلك يهيلون التراب على تراث المسلمين، ويقطعون شرايين الحياة عن الأجيال الحاضرة والآمال المرتقبة، وهم يخدمون بمثل هذا -عن وعي أو عن غباء- الغارة الاستعمارية على ديار المسلمين، من خلال أعمال، تزيد السقم علة، والطين بلة، فيُطاح بالمسلمين، وتوصد أبوابهم أمام الحياة الهانئة الآمنة.

ومثل هذا ظاهر جلي في طرح الدعوات الصارخة لما يُسمى بمبادئ حقوق الإنسان، والتي تجعل من فتح الحريات وعتق الرغبات رفضاً باتاً للفطر السليمة، وسبباً مباشراً تدمر به الأخلاق المستقيمة، ومن ثمَّ يزعمون أن من خالف ذلك فهو ضد الإنسان والإنسانية، وضد الحقوق الشخصية، والرغبات الفردية، وهي في الحقيقة ليست من الإنسانية في شيء، ولا هي من بابتها، فلا تمت لها بخيط رقيق، ولا حبل متين، بل إنما يُنمَّق حول ذلك ويزوق مر العاقبة وإن حلا ظاهره، وصعب المرتقى، وإن سهل ترويجه، ودميم الطرح مهما بدت فينا دماثته.

لقد سفَّهت دعوات حقوق الإنسان أحكام الشريعة؛ فوصفت إقامة الحدود بالسفه والحطة والغلظة، دعا أهلها إلى حفظ حقوق الإنسان فقتلوه من حيث أرادوا حفظ حقه، وأخرجوه من القيود الشرعية حرصاً عليه، فإذا بهم في نهاية المطاف يدركون أنهم إنما كانوا يُنادون بحفظ حقوق الإنسان المجرم، فإلى الله المشتكى.