للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بعض الأماني الحسنة]

عباد الله: للمقولة المشهورة دورٌ في تمييز الخبيث من الطيب، والزَّين من الشين، وبالضد تتميز الأشياء، وهذه ملامح موجزة سريعة عن بعض أماني السلف الحسان:

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لو كان عندي أحد ذهباً لأحببت ألا يأتي عليَّ ثلاثٌ وعندي منه دينارٌ إلا شيء أرصده في دينٍ عليَّ أجد من يقبله} رواه البخاري.

وذكر ابن قتيبة وابن عبد البر وابن خلكان أنه اجتمع عبد الله بن عمر وعروة بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان بفناء الكعبة، فقال لهم مصعب: [[تمنوا، فقالوا: ابدأ أنت؟ فقال: ولاية العراق وتزوُّج سكينة بنت الحسين، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله؛ فنال ذلك، وتمنى عروة بن الزبير الفقه، وأن يُحْمَل عنه الحديث؛ فنال ذلك، وتمنى عبد الملك بن مروان الخلافة؛ فنالها، وتمنى عبد الله بن عمر الجنة]] .

وذكر الطبراني والبيهقي عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: [[إن فيَّ ثلاث خصال: إني لآتي على الآية من كتاب الله فلَوَدِدْتُ أن جميع الناس يعلمون ما أعلم، وإني لأسمع بالحاكم من حُكَّام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح ولعلِّي لا أقاضي إليه أبداً، وإني لأسمع الغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين فأفرح وما لي به سائمة]] .

يقول ابن الجوزي -رحمه الله- مُحدِّثاً عن نفسه: "لقد بلغتُ السن وما بلغت ما تمنيت -وكان رحمه الله قد تمنى كثرة العلوم والمعارف- فأخذتُ أسأل الله تطويل العمر، وتقوية البدن، وبلوغ الآمال، وكان هذا السؤال في ربيع الآخر من سنة (٧٥هـ) ، فإن مُدَّ لي أجل وبلغت ما أمَّلته، فسأُخبر ببلوغ آمالي، وإن لم يتفق فربي أعلم بالمصالح، فإنه لا يَمنع بخلاً، ولا حول ولا قوة إلا به".

وكان عمره -رحمه الله- آنذاك خمسة وستين عاماً، ثم مُدَّ في عمره اثنين وعشرين سنة أُخرى فكانت الوفاة سنة (٩٧هـ) للهجرة حصل له من البركة في العلم والعمل الشيء الكثير.

ولا جرم -عباد الله- فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا تمنى أحدكم فليستكثر، فإنما يسأل ربه} رواه عبد بن حميد، وهو على شرط البخاري ومسلم.

هذه لمحاتٌ موجزة من تمني المعالي مع صدق وجد؛ لأن الحرمان بالكسل موكل، ومن ينصَب يصِب عن قريب غاية ما يتمنى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز} رواه مسلم.

وقد جاء في الصحيح من حديث ربيعة بن كعب أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: {يا رسول الله! أسألك مرافقتك في الجنة؟ فقال له: أعني على نفسك بكثرة السجود} رواه مسلم.

فالذي ينبغي لمتمني الخير ألَّا يقصر في شوطه، فإنْ سبق وحصل المقصود فهذا هو المراد، وإن كبا جواده مع اجتهاده لَمْ يُلَمْ.

سمع الفاروق -رضي الله تعالى عنه- قوماً من أهل اليمن يتمنون المال وهم قاعدون بالمسجد، فعلاهم بدرته، وقال: [[لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني! وقد علم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، وإن الله يقول: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:١٠]] ] .

ويا لَلَّه كم من متمنٍ بصدقٍ وجد نال ما تمنى بإذن الله، فإن لم ينله كله نال بعضه! ولقد أحسن من قال:

لأستسهلن الصعب أو أُدركَ المنى فما انقادت الآمال إلا لصابر