للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصدقة في رمضان]

الحمد لله ولي الصالحين: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر:٣] ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فلقد أضلكم -أيها المسلمون- شهر كريم يحمل في طياته تهيئة النفس على تحمل الجوع والعطش، ترى الطعام بين ناظريك تشتهيه نفسك وتصل إليه يدك، ولكنك لا تستطيع أن تأكله، ويشعل الظمأ جوفك والماء من حولك، فلا تقدر على أن تنهل منه، ويأخذ النعاس بلبك، ويداعب النوم جفنيك، ويأتي رمضان ليوقظك لصلاتك وسحورك، إنها ولا شك حلقات الصبر والمصابرة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: {الصوم نصف الصبر} رواه الترمذي.

عباد الله: شهر رمضان شهر الجود والإنفاق، شهر النفوس السخية والأكف الندية، شهر يسعد فيه المنكوبون ويرتاح فيه المتعبون، فليكن للمسلم فيه السهم الراجح، والقدح المعلى، فلا يترددن في كفكفت دموع المعوزين واليتامى والأرامل من أهل بلده ومجتمعه، ولا يشحنَّ عن سد مسغبتهم وتجفيف فاقتهم، وحذاري من الشح والبخل فإنهما معرة مكشوفة السوءة! لا تخفى على الناس فتوقها، ناهيكم عن كون النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ ربه منهما، بل إن الجود والكرم كانا لزيما رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته، في حين أنه يتضاعف في رمضان حتى يكون كالريح المرسلة، وفي الصحيحين: {أنه صلى الله عليه وسلم ما سئل شيئاً فقال: لا} .

إضافة إلا أن نتاج هذا التحميض غير قاصرٍ على سعادة ذوي المسكنة وحدهم، بل يرتد أمانة حتى إلى الباذلين أنفسهم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد، من ثدييهما إلى تراقيهما؛ فأما المنفق فلا ينفق إلا صبغت على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع} رواه البخاري ومسلم، والمعنى هنا ظاهر عباد الله! فإن الجواد السخي إذا هم بالصدقة، انشرح لها صدره، وطابت بها نفسه، وتاقت إلى المثوبة فتوسعت في الإنفاق، ولا يضيره الحديد، بل هو يتسع معه حيثما اتسع، ولا غرو في ذلك فإن الجواهر ولو كانت تحت التراب فهي جواهر، والأسد في قفص الحديد أسد ولا شك، بيد أن البخيل إذا حدث نفسه بالصدقة شحت نفسه، وضاق صدره، وانقبضت يداه، وأحس كأنما يعطي من عمره وفؤاده، حتى يعيش في نطاقٍ ضيق، لا يرى فيه إلا نفسه، غير مكترثٍ بالمساكين {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} [المعارج:٣٧] ، مثل هذا ولا شك قد وضع الأسر والأغلال في يده، وجعلها مغلولة إلى عنقه قال تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً} [الإسراء:١٠٠] ، ولكن ليس شيءٌ أشد على الشيطان وأبطل لكيده وأدحر لوسواسه من الصدقة الطيبة قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:٢٦٨] .

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين.

اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.

اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا ذا الجلال والإكرام!

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين!

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام!

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدمٍ ولا بلاء ولا غرق، اللهم لتحيي به البلاد، ولتسقي به العباد، ولتجعله بلاغاً للحاضر والباد.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ؛ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.