للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصحابة وحمايتهم لجناب التوحيد]

عباد الله: بمثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل الأنبياء من قبله سار الصحابة الكرام وأئمة الدين.

روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي رضي الله عنه: {ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً ألا سويته} والمقرر عند أهل العلم أن كلمة تمثال هنا نكرة في سياق النهي، فتعم كل تمثالٍ أيّن كان نوعه؛ سواء كان للعبادة أو لمجرد الاقتناء والزينة.

وذكر ابن إسحاق في مغازيه عن أبي العالية قال: [[لما فتحنا تستر وجدنا في بيت الهرمزان سريراً عليه رجلٌ ميت عند رأسه مصحفٌ له، فأخذناه فحملناه إلى عمر رضي الله عنه إلى أن قال: فماذا صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا له بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقةً، فلما كان الليل دفناه وسوينا القبور كلها لنعميه على الناس لا ينبشونه، فقال رجل: وما يرجون منه؟ قال: كان يقال: إن السماء إذا حبست عنهم برزوا سريره فيمطرون]] يقول ابن القيم رحمه الله معلقاً على هذه القصة: ففي هذه القصة ما فعله المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم من تعمية قبره لئلا يفتتن به، ولم يبرزوه للدعاء عنده، أو التبرك به، ولو ظفر به المتأخرون لجالدوا عليه بالسيوف.

وقد ذكر الحافظ ابن حجر: أن ابن سعد روى بسندٍ صحيح: [[أن عمر رضي الله عنه بلغه أن قوماً يأتون شجرة بيعة الرضوان فيصلون عندها، فتوعدهم ثم أمر بقطعها فقطعت]] .

هكذا كانت مواقف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حماية جناب التوحيد، وسد الذرائع المفضية إلى الشرك بالله؛ لأن البدع إذا حدثت، وصارت صارفةً عن مقتضى القرآن والسنة، ولفقت لها شبه، وركب لها كلامٌ مؤلف، صارت تلك البدع في حكم الواقع من المسلمات التي لا يمكن درؤها إلا بعد نأي وشدائد، ويدل بذلك ما نقله الحافظ ابن حجر عن الفاكهي وغيره عن عبيد الله قال: أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح، وكانت الأبناء تبر الآباء، فمات رجلٌ منهم فجزع ولده عليه، فجعل لا يصبر عنه، فاتخذ مثالاً على صورته، فكلما اشتاق له نظر إليه، ثم مات ففعل به كما فعل، ثم تتابعوا على ذلك، فمات الآباء فقال الأبناء: ما اتخذ هذه آبائنا إلا أنها كانت آلهتهم فعبدوها.