للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أنواع النفوس]

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:-

فاتقوا الله -أيها المسلمون- واعلموا أن النفوس ثلاث: نفسٌ أمارة بالسوء، ونفسٌ لوامة، ونفسٌ مطمئنة، ولا شك أن شر هذه النفوس هي الأمارة بالسوء، الداعية إلى الضلال، المحرضة صاحبها على الانحراف والاعتساف، والإنسان الغافل الضال حينما تدركه نفسه رحمة خالقه؛ ينازع نفسه بعد طول شقاء، ويقاومها لينقلها من منبت السوء إلى منبت الخير، ويوقظ فيها صوت الضمير، فإذا هي النفس اللوامة تتفكر وتتدبر وتعتبر فتنزجر، ثم تبلغ القمة والعلو فإذا هي نفسٌ مطمئنة، لا تزلزلها الأهوال ولا الشدائد الثقال، فليت كل واحدٍ منّا يسائل ذاته: أين نفسي بين تلك النفوس الثلاث؟! وفي أي طريقٍ تسير؟ أفي المقدم أم في المؤخر؟ أفي العلو أم في السفل؟! هل سألت نفسك أيها المرء فحاسبتها قبل أن تحاسب؟! هل تفكرت فيها، تفكر محقق؟! هل نظرت إلى خطايا لو عوقبت ببعضها لهلكت سريعاً؟ ولو كشف للناس بعضها لاستحييت من قبحها وشناعتها، أفٍ ثم أفٍ لنفسٍ مريضة، إن نوظرت شمخت، وإن نوصحت تعجرفت، وإن لاحت الدنيا طارت إليها طيران الرخم، وسقطت عليها سقوط الغراب على الجيف.

أين أنت أيها المسلم! من ذلك المثل الرائد، الذي ضربه لمحاسبة النفس أبو الدرداء رضي الله عنه، حيث جلس يبكي وقد رأى دولة القياصرة تهوي على أقدام المسلمين، وأجاب من قال له: يا أبا الدرداء! تبكي في يومٍ أعز الله فيه الإسلام وأهله؟! فقال له أبو الدرداء: ويحك يا هذا ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى.

وقد حُمل ابن سيرين رحمه الله تعالى ديناً فُسئل فقال: إني لأعرف الذنب الذي حُمل به علي الدين، قيل له: ما هو؟ قال: قلت لرجلٍ منذ أربعين سنة يا مفلس.

الله أكبر! أيها المسلمون! قلت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبنا فليس ندري من أين نؤتى، اللهم اعصمنا من شر الفتن، اللهم اعصمنا من شر الفتن، وعافنا من جميع البلايا والمحن، وأصلح منّا ما ظهر وما بطن، ونق قلوبنا من الغل والحقد والحسد، ولا تجعل علينا تبعة لأحدٍ من خلقك يا أرحم الراحمين!

هذا وصلوا رحمكم الله على خير البرية، وأزكى البرية جميعاً محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صاحب الحوض والشفاعة.

اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين!

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين، اللهم انصر دينك وكتابك، وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ضالاً عن الإسلام إلا هديته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسرتها برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين!

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم!

اللهم أصلح له بطانته، يا ذا الجلال والإكرام! اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك يا سميع الدعاء.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.