للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السياحة المذمومة الممقوتة]

وفي المقابل: نجد سياحة مذمومة ممقوتة، نهى الشارع الحكيم عنها، وأبدل الأمة خيراً منها، تلكم -عباد الله- هي: السياحة في الأرض على وجه العزلة والانطواء والبُعد عن الناس وعن مخالطتِهم والصبر على أذاهم؛ لأجل التعبد وحده.

فقد ثبت عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رجلاً قال: {يا رسول الله! ائذن لي في السياحة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله} رواه: أبو داود في (سننه) ، وصدَّره بقوله: "باب النهي عن السياحة".

قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:٢٧] يقول رضي الله عنه: [[هذا عن ملوكٍ بعد عيسى بن مريم، بدَّلوا التوراة والإنجيل، وكان فيهم مؤمنون، يقرءون التوراة إلى أن قال رضي الله عنه: فقال أناس منهم: نتعبد كما يتعبد فلان، ونسيح كما ساح فلان، ونتخذ دوراً كما اتخذ فلان، وهم على شركهم، فلمَّا بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يبقَ منهم إلا قليلٌ، انحط رجلٌ من صومعته، وجاء سائح من سياحته، وصاحب دَيْر من دَيْره، فآمنوا به، وصدقوه، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد:٢٨]] ] رواه: النسائي.

يقول ابن كثير رحمه الله: وليس المراد من السياحة، ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض، والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري، فإن هذا ليس بمشروع، إلا في أيام الفتن والزلازل في الدين، كما ثبت عند البخاري من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يُوشك أن يكون خير مال الرجل غنمٌ يتبع بها شعث الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن} .

فـ (لا إله إلا الله) كم فيما مضى ذكره من عبر!

و (لا إله إلا الله) كم يكفينا ذلك في تذكير أرباب السياحة العابثة! ألا سبحان الله!

سياحةٌ لأجل العزلة والتعبُّد منهيٌّ عنها، أفتكون سياحة اللهو والتخمة أحل وأنقى؟! {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ} [الأنبياء:٨٧] ولا نقول إلا ما يرضيك عنا.

تلك -عباد الله- بعض المعالم والشذرات حول مفهوم السياحة، الأصل والأساس والذي كاد يُعدم معناه، أو ينمحي، حيث أبدله الناس بهذا المفهوم العاري، والذي سنسلط عليه بعض الضوء والمصارحة؛ ففي النصح بركة، والحر تكفيه من ذلك الإشارة.