للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سقوط الأندلس منعطف إلى المأساة]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] .

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١] .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [الأحزاب:٧٠] * {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧١] .

أما بعد:

فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، اتقوا الله في السر والعلن، فإن تقوى الله سبحانه هي وصيته للأولين والآخرين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:١٣١] .

أيها الناس: لقد ظل العالم الإسلامي بأسره قرابة ألف عام وهو متجانس متماسك يشد بعضه أزر بعض، ويأرز إلى عقيدته الجامعة، كلما هدد كيانه خطر أو ادلَهَمَّ عليه خطب، ومنذ فقدان الأندلس وقع تغير رهيب في حياته، وأخذت أرضه تنقص من أطرافها، ففُقدت أقطارٌ وأمم، وانتُهِكَت محارم ومقدسات، ودارت رحى الحرب على المسلمين، حتى تداعت عليهم الأمم والشعوب، وتحقق فيهم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: {يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها.

قالوا: أمِن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير؛ ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهْن.

قالوا: وما الوهْن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت} صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، فهذا هو الوهْن وهو سر الضعف الأصيل، أن يعيش الناس عبيداً لدنياهم، عشاقاً لأوضاعها الرتيبة، تحركهم شهواتها وتموج بهم، كالخاتم في الأصبع، وتسيرهم الرغائب المادية كالثور في الساقية، يتحرك في مدار محدود، فاقد الهدف، معصوب العينين، وهذا هو الوهْن حين يكره المسلمون الموت، ويؤثرون حياة ذليلة على موت كريم، يؤثرون حياة يموتون فيها كل يوم موتات على موت يحيون بعده حياة سرمدية.

شعوبك في شرق البلاد وغربها كأصحاب كهف في عميق سباتِ

بأيمانهم نوران ذكر وسنة فما بالهم في حالك الظلماتِ