للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دروس وعبر من حج الرسول صلى الله عليه وسلم]

وفي خضم الجاهلية الجهلاء يمن الرب الرحيم القادر الحليم على عباده بالنبي الخاتم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم بالنفس الطاهرة، فأُنْزِلت آيات الكتاب المتلوة، وأبلغ الرسول دعوته، فسمع الأصم نبراته، وأبصر الأعمى آياته، جاء البشير النذير، والسراج المنير، فاقتلع الوثنية من جذورها، واستأصل شأفتها، بعد أن سفَّه أحلامهم، وعاب آلهتهم، في مدة من الزمن وجيزة {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:٢] .

وَيمنَّ الله عليه بفتح مكة، وتحطيم ما فيها من أصنام وأوثان، ثم يُرسل أبا بكر في السنة التاسعة حاجّاً، لينادي في الناس: {ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان} .

ثم يأتي -صلوات الله وسلامه عليه- حاجاً في السنة العاشرة، ليختم دعوته بلقاءٍ حاسم مع جموع المسلمين في عرفات المشاعر المقدسة، ويقول لهم: {خذوا عني مناسككم، فلعلي لا ألقاكم بعد يومي هذا} .

وفي يوم عرفة في اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأنزل فيه قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:٣] في يوم عرفة -عباد الله- يرى الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه أن هذا الجمع العظيم، وهذه القلوب الصافية الخاشعة فرصة عظمى لأن تعي ما سيقول لها من قواعد عظيمة، ربما عدُّوها وصية مودع مشفق، فيقف على راحلته، ويخطب الناس خطبته المشهورة، كما جاء في سنن أبي داود وسنن ابن ماجة، وغيرهما، فكان مما قال فيها: {ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمانا: دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب -كان مسترضعاً في بني سعد، فقتلته هُذيل- وربا الجاهلية موضوع كله، وأول ربا أضعه ربانا، ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله} الحديث.