للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب مخالفة المسلمين لأهل الجاهلية]

إن هذه الكلمات المنبعثة من مشكاة النبوة ليؤكد بها المصطفى صلى الله عليه وسلم حتمية المخالفة لما كان عليه أهل الجاهلية، ويبين بذلك أنَّ مسمَّى الجاهلية يعني: أن يكون الأمر إسلاماً أو لا إسلام.

فالجاهلية والإسلام أمران نقيضان، لا يمكن أن يجتمعا في نفس واحدة البتة.

إن كلمة الجاهلية لم تكن نشازاً من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، لا وكلا! بل هي كلمات مطروقة، تكرر ذكرها في غيرما موضع من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال سبحانه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:٥٠] ، وقال عزَّ وجلَّ: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران:١٥٤] ، ويقول جل شأنه: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:٣٣] ، ويقول سبحانه: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح:٢٦] .

ولقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه باباً فقال: (باب المعاصي من أمر الجاهلية) وذكر فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر رضي الله عنه لما عيَّر رجلاً بأمه: {إنك امرؤ فيك جاهلية} .

قال الحافظ ابن حجر: " إن كل معصية تؤخذ من ترك واجب أو فعل محرم فهي من أخلاق الجاهلية ".

وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: {قال رجل: يا رسول الله! أنؤاخَذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أُخذ بالأول والآخر} رواه البخاري ومسلم.

وقد قال ثابت بن الضحاك رضي الله تعالى عنه: {ينذر رجل أن ينحر إِبِلاً بـ بوانة، فسأل النبيُّ صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟ قالوا: لا.

قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوفِ بنذرك} الحديث.

رواه أبو داود.

فيؤخذ من هذا الحديث وغيره -عباد الله- التحذير الشديد من أمور الجاهلية، أو مشابهة أهلها في أي لون من ألوانها.

كيف لا! ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {ألا إن كل شيء من أمور الجاهلية تحت قدمي موضوع} ؟!

ولو لم يكن من ازدرائها، وشناعة قبحها، إلا حكم النبي صلى الله عليه وسلم عليها بأنها تحت قدميه لكفى.

لقد أكدَّ رسول الله صلوات الله وسلامه عليه مخالفة ما عليه أهل الجاهلية من الكتابيين والأميين، مما لا غنى للمسلم في أن ينبذها وينأى بنفسه عن الوقوع في هُوَّتها، وأن ينسلَّ بنفسه عن أشدها خطراً، وأكثرها ضرراً، وهو عدم إيمان القلب بما جاء به الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه، ناهيكم عما ينضاف إلى ذلك من استحسان ما عليه أهل الجاهلية الذي تتم به الخسارة والبوار، كما قال جل شأنه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [العنكبوت:٥٢] ، {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران:٨٣] .