للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فقدان قوامة الرجل على المرأة]

عباد الله: لقد كثر الطلاق اليوم لما فقدت قوامة الرجل في بعض المجتمعات؛ إبِّان غفلة وتقهقر عن مصدر التلقي من كتاب وسنة، وركن فئام من الناس إلى مصادر مريضة، قلبت مفاهيم العشرة، وأفسدت الحياة الزوجية من حيث يشعرون أو لا يشعرون، وتولَّى كبر تلك المفاهيم: الإعلام بشتى صوره؛ من خلال مشاهدات متكررة، يقعد فيها مفاهيم خاطئة، ومبادئ مقلوبة في العشرة الزوجية، حتى وضع بعض الزوجات تأريخهن، ولرب منظرٍ تشهده ألف امرأة في مرة واحدة، فإذا استقر في وعيهن، وطافت به خواطرهن وأفكارهن؛ سلبهن قرارهن ووقورهن كما استنهل في واقعهن ألف مرة، بألف صورة، في ألف حادثة؛ فلا تعجبوا حينئذ إذا استأسد الحمل، واستنوق الجمل!

والعجب كل العجب! أنه في ثنايا المناقشة، يُقرر الإعلاميون أن دور الإعلام مع المرأة إنما هو كالتلقيح بمصل بعض الأدواء المعدية والتسمم بمكروبها، بزعم أنها تكسب صاحبها مناعة تقيه من أن يعدى بوبائها.

وحقيقة الأمر عباد الله! أنهم بالذي وطئوا زادت العقد، وأن ما يذكره الإعلاميون هو التعرف لعدوى الوباء في عنفوان شدته، ولقد صدق من قال:

وكانت دوائي وهي دائي بعينه كما يتداوى شارب الخمر بالخمر

والواقع أيها المسلمون! أن داخل البيت المسلم يتأثر بخارجه، وتيارات الميوعة والجهالة إذا عصفت في الخارج تسللت إلى الداخل، فلم ينجو من بلائه إلا من عصم الله.

الحياة الزوجية حياة اجتماعية! ولا بد لكل اجتماع من رئيس يُرجع إليه عند الاختلاف في الرأي والرغبة، والرجل أحق بالرئاسة؛ لأنه أعلم بالمصلحة وأقدر على التنفيذ بما أودع الله فيه من ذلك، وإن ما تتلقاه المرأة من الأجواء المحيطة بها على منازعة الرجل قوامته لمن الانحراف الصرف والضلال المبين.

ألا وإن قوامة الرجل في بيته لا تعني منحه حق الاستبداد والقهر، فعقد الزوجية ليس عقد استرقاق ولا عقد ارتفاق بجسد المرأة، إنه أزكى من ذلك وأجل، وكلٌ من الزوجين بشر تام، له عقل يتفكر به، وقلب يحب به ويكره، فوجب الحق للمرأة حتى مع قوامة الرجل {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:٢٢٨] ، كما أن قوامة الرجل لا تعني استغنائه عن زوجه، فالله عز وجل يقول: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:١٨٧] .

عباد الله! لقد كَثُرَ الطلاق اليوم لما صار المطلق أحد رجلين: إما رجل أعمل سلطته وأهمل عاطفته؛ فكان في بيته سيداً، ولكنه لم يذق طعم المحبة والسعادة، ولا عرف الصفا والهناء، وإما رجل تبع عاطفته فأطاعها وأهمل سلطته فأضاعها؛ فعاش في داره عبداً رقيقاً، فصار شر مغلوب لمن غلب.