للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العدل في القضايا من سمات المؤمنين]

الحمد لله حمداً لا ينفد، أفضل ما ينبغي أن يُحمد، وأصلي وأسلم على أفضل المصطفين محمد، وعلى آله وصحبه ومن تعَّبد.

أما بعد:

فاتقوا الله -أمة الإسلام- واعلموا أن أحسن الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها المسلمون! العدل في القضايا من سمات المسلمين، وإعطاء كل ذي حق حقه هو مما أوجبه الله على عباده، وإن كان ثَمَّ مآخذ غير مرضية تصدر تارات كثيرة من الخدم؛ فإننا في المقام نفسه نشير إلى سماتٍ متعددة من الحقوق والواجبات التي يستحقونها، ومن ذلك: احترام قدرهم، وأنهم بشر مثلنا؛ فنتلطف معهم ونرحم غربتهم، وأنه لولا حاجتهم إلى المال واكتسابه؛ لما هان عليهم فراق العيال، والسفر آلاف الأميال، فلتطعموهم إذا طعمتم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا أتى أحدكم خادمه بطعام فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين أو لقمة أو لقمتين} رواه البخاري، ولا تحجرن إطعام الخادم ولو لم يكن ذلك في صلب العقد بينكما، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة} رواه أحمد.

وإياك إياك أيها المرء! أن تتوانى أو تتأخر في إعطائه أجرته في حينها، فلنفسه بالذات ولعٌ بها كما تفرح بمحصلتك، يقول صلى الله عليه وسلم: {أعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه} رواه ابن ماجة.

فعليك -أيها المرء- أن تتنبه لذلك، وإلا فاعلم أنك خصيم للنبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: {ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة -وذكر منهم-: رجلاً استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره} رواه البخاري.

فاتقوا الله يا أهل البيوتات! واتقوا الله يا أصحاب الشركات والمؤسسات والتعهدات! وأعطوا العمال والخدم أجورهم في أوقاتها المحددة، وإلا فأعدوا لمخاصمة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- جواباً، وللجواب جلبابا حين ليس ثم جواب ولا جلباب.

وإياكم وضرب العمال والخدم، فقد ضرب أبو مسعود غلاماً له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منه، فقال أبو مسعود: يا رسول الله فهو حر لوجه الله، فقال صلى الله عليه وسلم: أما إن لو لم تفعل لمستك النار أو للفحتك النار} رواه مسلم والترمذي، ولم يكن الأمر مقتصراً على مس اليد فحسب، بل وحتى اللفظ باللسان من شتم وسب، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: {لا تدعوا على خدمكم} رواه أبو داود.

وسمعتَ أم الدرداء عبد الملك بن مروان قد لعن خادمه، فقالت أم الدرداء: سمعتك الليلة لعنت خادمك حين دعوته، فقد سمعتُ أبا الدرداء يقول، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة} رواه مسلم.

عباد الله! بما أن الشيء بالشيء يُذكر، وحيثُ إن الحديث عن الخدم والاستخدام؛ فاعلموا أن هناك ثلة من إخواننا المسلمين يعيشون حالاً لا يعرف من خلالها أيراد بهم أن يعيشوا خُدَّاماً أم يعيشوا بشراً؟ امتدت إليهم أيادي آثمة، أيادي أناملها صربية، ودماءها قد نزت من سلسلة حروب صليبية، ليس لهم هدف إلا قتل من يقول: ربي الله.

سر إخواننا المسلمين في كوسوفا المسلمة، شردوهم وأثخنوهم وشدوا الوثاق، مشردون هم أحياء في عِدَادَ الأموات، إذ ما الحياة بلا أمن ولا استقرار؟ ليس من مات منهم ذبيحاً؛ ولكن من يعيش منهم بالتشريد هو الذبيح!

ألا من محير جواباً! أو من محييٍ ألباباً! ألا من آمنٍ لمتألم ومن مستودع لمستصرخ! مسلمون مهجرون منبوذون في العراء وهم مذئومون سقوفهم واكفة، وجدرانهم نازة، وغرفهم متساقطة، جبالهم حممٌ من القنابل والشظايا، ووديانهم جثث وهال حتى غدت أباطح.

ألا تتقوا الله معاشر المسلمين! والبدار البدار بالجهاد في سبيل الله بأموالكم، بإيواء المضطهدين الذائدين عن حياض إسلامهم في أوطانهم، ألا وإن الإنفاق في سبيل الله والبذل فيه لإعلاء كلمة الله في طليعة أعمال البر التي وعد الله عليها الجزاء العظيم {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:٢٦١] .

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد؛ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد؛ كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

وارض اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر صحابة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعدائك أعداء الدين، اللهم دمر أعدائك أعداء الدين، اللهم أهلك الصرب الحاقدين، اللهم عليك بهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم أهلكم بالسنين، واجعلها عليهم سنين كسنين يوسف يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم انصرنا على من عادانا، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، ا