للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دور الحج في ترسيخ التوحيد]

أيها المسلمون! الحديث عن الحج ومآثره مطلب تشرئب له نفوس الحجيج المؤمنة، وتمتد له أعناق المتقين من عباد الله؛ ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أو يحدوهم الشوق إلى أن يجتمعوا للإيمان ساعةً، فيقولون: سمعنا وأطعنا؛ ليكون خيراً لهم وأقوم عند الله.

ومن هنا يظهر البون شاسعاً بين العاصي والمطيع، فالمطيع عرف خالقه فعبده حق عبادته، والعاصي مكفوف البصيرة تائهٌ عن ولي نعمته؛ تستهويه الشياطين في الأرض حيران.

عباد الله! الحج قصد بيت الله الحرام لأداء النسك على صفة مخصوصة بينها الشارع الحكيم، ألا وإن هذا البيت الحرام الذي رفع قواعده إبراهيم خليل الرحمن، وابنه إسماعيل عليهما السلام، لم يُبن في الحقيقة إلا بالتوحيد، ومن أجل التوحيد، ولأهل التوحيد، تتعاقب الأجيال على حجه، ويتنافس المسلمون في بلوغ رحابه، {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ [إبراهيم:٣٤-٣٥] ، {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج:٢٦] .

الحج في الإسلام عباد الله! أمارةٌ وحكمة تدعو إلى التوحيد؛ فاجتماع الناس على اختلاف ألوانهم وأجناسهم؛ ليوحي إليهم أنه ينبغي للمسلم ألاَّ يُعبد إلا الله في خوفه ورجائه، وذبحه ونذره، ورغبته ورهبته، فالله -جلَّ وعلا- إنما بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالتوحيد الخالص لا غير، وتحريم كل صور الشرك وضروبه، ومنع كل مشرك من دخول المسجد الحرام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:٢٨] .

وفي الحديث: {بعث النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسعٍ من الهجرة من ينادي في الحج إلا يطوف بالبيت عريان، وألا يحج بعد العام مشرك} رواه البخاري ومسلم.