للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شيوع الأمن والأمان في البلد الحرام]

أيها الناس حجاج بيت الله الحرام! في الحج إلى الكعبة المشرفة تتجلى نعمة الأمن وحكمة الأمان، من خلال النهج الذي شرعه الله في عرصات مكة والحرم، وذلك متمثل في حقن الدماء، وإلقاء السلاح، والأمن على الأرواح والممتلكات، واللقطة والأعراض، بل وحتى من القول البذيء، واللفظ الفاحش {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:١٩٧] ، ناهيكم -يرعاكم الله- عن أمن الطير والوحش وسائر الصيود.

إن العبد المسلم لفي حاجةٍ ماسة إلى أن يقدر هذه النعمة، وإن المجتمعات طراً -على اختلاف أقاليمها- ليست في غنىً عن الأمن الذي هو ماس بهم، عظيم الوقع في نفوسهم، متعلق بحرصهم على ذواتهم وأرواحهم، وفي ظل الأمن والأمان تحلو العبادة، ويصير النوم سباتاً، والطعام هنيئاً، والشراب مريئاً.

الأمن والأمان -عباد الله- عماد كل جهد تنموي، وهدف مرتقب لكل المجتمعات وإن اختلفت مشاربها، فالمجتمع إذا آمن أمن، وإذا أمن نما، والثمرة الحاصلة: أمنٌ وإيمانٌ ونماء، فلا أمن بلا إيمان، ولا نمو بغير ضمانات ضد الهدم {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢] .

وأظلم الظلم -عباد الله- هو الشرك بالله، فلا يجتمع -إذاً- ظلمٌ وأمن؛ ظلم النفس، وظلم الهوى، وظلم الحجارة، وظلم الدساتير، والأحبار والرهبان، ومتى بقيت من ذلك بقية فالله أغنى الشركاء عن الشرك، وهو لا يرضى بمزاحمة صنم الظلم، قال سهل بن عبد الله: " حرام على قلب أن يدخله النور، وفيه شيء مما يكرهه الله ".

إن الأمن والأمان المنبثقين من تطبيق شرع الله على وجه الأرض، ليتيح لقلب المسلم النير في كل قطر ومصر أن يعبد الله في هدوءٍ واستقامة، بل قد يتغير به مجرى تاريخ المجتمع بأسره، بل هي حياة فرداً من الأفراد، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي في جامعه: {من أصبح آمناً في سربه، معافاً في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها} .