للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضائل أيام العشر من ذي الحجة]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وهدايته وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، عبد الله حق عبادته ودعا إلى رضوانه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.

أما بعد:

فاتقوا الله معاشر المسلمين! ثم كونوا على علمٍ أنكم قاب قوسين أو أدنى من حلول شهرٍ مبارك، الناس فيه صنفان: إما قاصدٌ بيت الله الحرام حاجاً أو معتمراً، يتعرض لنفحات خالقه ومولاه في عرصات المناسك المباركة، وإما قاعدٌ حلك أرضه لم يُقدَّر له بلوغ رحاب البيت العتيق، إما لعرضٍ أو لمرض، لم يكونا مانعين -بإذن الله- من أن يتلَّقى عشر ذي الحجة المباركة فيعمل فيها أعمالاً هي أفضل من الجهاد في سبيل الله، فقد روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام -أي: أيام عشر ذي الحجة- فقالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله! قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء} .

وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن عشر ذي الحجة هي المقصودة بقول الباري جلَّ شأنه: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:١-٢] قال ابن كثير رحمه الله: وبالجملة فهذه العشر قد قيل: إنها أفضل أيام السنة كما نطق بذلك الحديث، وفضَّلها الكثير على عشر رمضان الأخيرة؛ لأن هذا يشرع فيه ما لا يشرع في غيرها؛ من صيامٍ وصدقةٍ وغيرها، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه.

والحاصل -عباد الله- أن النصوص دلت بمنطوقها ومفهومها على أن كل عملٍ صالح يقع في هذه الأيام، فهو أحب إلى الله تعالى من العمل نفسه إذا وقع في غيرها، كما أن الأعمال في هذه العشر تتنوع إلى الصوم والصدقة والتوبة النصوح، والإكثار من التسبيح والتحميد والتهليل، كما أن فيها الأضحية والحج، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: {ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فاكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد} رواه أحمد.

وقد ثبت عند أبي داود والنسائي: {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر} كما أن السنة قد دلَّت -يرعاكم الله- على أن من أراد أن يُضحِّي، وقد دخلت عليه العشر فلا يأخذنَّ من شعره أو أظفاره أو بشرته شيئاً حتى يُضحِّي، لورود الخبر بذلك عن الصادق المصدوق عند مسلم في صحيحه.

وثمة أمر جليل ينبغي التنبيه إليه: ألا وهو ما يفعله البعض ممن ابتلوا بحلق لحاهم، تراهم يجتنبون الحلق إذا دخلت عشر ذي الحجة، فلا يأخذون منها شيئاً، ولو سُئل أحدهم لم فعل ذلك؟ لقال: أنا أريد أن أضحي، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أخذ شيءٍ من الشعر حتى تضحى الأضحية.

فيا لله العجب! إن النبي صلى الله عليه وسلم الذي نهى عن أخذ شيءٍ من الشعر في هذه المدة الوجيزة، هو الذي نهى في الوقت ذاته عن أخذ شيءٍ من اللحية طيلة العمر؛ لما ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: {خالفوا المشركين، وفروا اللحى واحفوا الشوارب} .

لكنَّ بعض ضعاف النفوس يسهل عليهم تنفيذ أمره صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالأضحية؛ لأنها أيام قلائل، أما أمره بإعفائها مطلقاً فهو ثقيل على كسلان وذي ملالة، أما على الحريص فهو يسير {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:٦٣] .

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين، اللهم فرِّج هم المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وسلِّم الحجاج والمسافرين في برك وبحرك وجوك يا رب العالمين.

اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، واكفهم شرارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين!

اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.