للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استشعار رقابة الله]

عباد الله: إن الفساد في الدنيا إنما يكون ظاهراً جلياً، حينما لا يظن المجتمع أو بعض أفراده حساباً؛ لا يظنون حساباً من رب قاهر، أو من ولي حاكم، أو من مجتمع محكوم، أو من نفس لوَّامة، وحينما لا يظن المجتمع أو بعض أفراده حساباً على تصرفاتهم؛ فإنهم ينطلقون في حركاتهم كما يحبون، ويموتون كما يشتهون، وكما تهوى أنفسهم، فيتقلبون على الحياة ودروبها، بلا زمام ولا خطام، فيتشبهون بأهل النار من حيث يشعرون أو لا يشعرون {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً} [النبأ:٢٧-٢٨] فهؤلاء لم يكونوا مؤمنين بالمُحَاسِبْ، ولا موقنين بالمُحَاسَبْ، لو أن الأمم والمجتمعات يخبطون في الدنيا خبط عشواء، ويتصرفون على ما يحلو لهم دون معقب أو حسيب، لجاز على تفريط وحمق أن يبعثروا حياتهم كما يبعثر السفيه ماله، فكيف ولِله حَفَظَةٌ يدونون مثقال الذرة {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:٤٩] .

والذي ينبغي على الناس بعامة أن يكونوا على وعي وبصيرة بمقدار ما يفعلون من خطأ أو صواب، والحق -عباد الله- أن هذا الانطلاق في مهامه الحياة أفراداً وجماعات دون اكتراث بما كان أو يكون، أو الاكتفاء بنظرة خاطفة لبعض الأعمال البارزة أو الأعراض المخوفة، الحق أن ذلك نذير شؤم والعياذ بالله.

وقد عده الله في كتابه الكريم من الأوصاف التي يعرف بها المنافقون الذين لا كياسة لديهم، ولا يقين لهم: {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة:١٢٦] .