للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مجاهدة النفس فرض عين]

فيا أيها المسلم! بدل اهتمامك لك باهتمامك بك، واسرق منك لك فالعمر قليل، تظلَّم إلى ربك منك، واستنصر خالقك عليك، يأمرك بالجد وأنت على الضد! أبداً تفر من الزحف، وما ارتقيت درجة مجاهدة النفس ومحاسبتها، أتروم حينها الحصاد وأنت لم تبذر بعد؟! فإن النفس لن ترضى إذا لم تروض؛ لأنها سبع عقور، وإنما يراد الصيد لا العضود {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:٤٠-٤١] إن النفس إذا كانت تهوى وتشتهي، والمرء ينهاها ويزجرها كان نهيه إياها عبادة لله تعالى يثاب عليها، يقول صلى الله عليه وسلم: {المجاهد من جاهد نفسه} رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.

والمرء إلى جهاد نفسه أحوج منه إلى جهاد الكفار، فإن هذا فرض كفاية، وجهاد النفس فرض عين، ومن جاهد النفس لا يكون محموداً فيه إلا إذا غَلَب، بخلاف جهاد الكفار، فإنه كما قال جل وعلا: {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:٧٤] وأما المجاهد نفسه فإذا غُلِب كان مذموماً ملوما، ولهذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: {ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب} رواه البخاري ومسلم.