للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك ما قد خَلَّفوه فمضَى، فصار خَلْفَهم بتَخْلِيفِهم إيَّاه. وكذلك تقولُ العربُ لِما قد جاوَزَه المرءُ وخَلَّفَه خلْفَه (١): هو خَلْفَه ووَراءَه. ﴿وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ﴾: ما بينَ ما لم يمضِ مِن أمرِ الدُّنيا إلى الآخِرةِ؛ لأنَّ ذلك هو الذي بينَ ذَيْنِك الوَقتَين.

وإنما قُلنا: ذلك أولى التأويلاتِ به؛ لأنَّ ذلك هو الظاهرُ الأغلبُ، وإنما يُحمَلُ تأويلُ القرآنِ على الأغلبِ من معانِيه، ما لم يَمنَعْ من ذلك ما يجبُ التسليمُ له.

فتأويلُ الكلامِ إذنْ: فلا تَسْتَبطِئْنا يا محمدُ في تَخَلُّفِنا عنك، فإِنَّا (٢) لا نَتَنَزَّلُ من السماءِ إلى الأرضِ إلا بأمْرِ ربِّك لنا بالنُّزولِ إليها، للهِ ما هو حادثٌ مِنْ أمورِ الآخرةِ التي لم تأتِ وهى آتيةٌ، وما قد مضَى فخَلَّفْناه مِن أمرِ الدُّنيا، وما بينَ وقْتِنا هذا إلى قيامِ الساعةِ، بيدِه ذلك كلُّه، وهو مالكُه ومصرِّفُه، لا يملكُ ذلك غيرُه، فليس لنا أن نُحْدِثَ في سُلْطانِه أمرًا إلا بأمْرِه إيَّانا بهِ، ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾. يقولُ: ولم يكنْ ربُّك ذا نِسْيانٍ، فيتأخَّرَ نُزولى إليكَ بنِسيانِه إيَّاك، بل هو الذي لا يَعْزُبُ عنه شيءٌ في السماءِ ولا في الأرضِ، ولكنّه أعلمُ بما يُدبِّرُ ويقْضِى في خلْقِه جلَّ ثناؤُه.

وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾. قال: ما نَسِيَكَ ربُّكَ (٣).


(١) سقط من: ص، م، ت ١، ف.
(٢) في ت ١، ف: "فإنه".
(٣) ذكره ابن كثير في تفسيره ٥/ ٢٤٥ عن مجاهد.