للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا سَفْكُ الدمِ، فإنه صَبُّه وإراقتُه.

فإن قال قائلٌ: وما معنى قولِه: ﴿لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ﴾. وقال: أَوَ كان القومُ يَقْتُلُون أنفسَهم، ويُخْرِجُونَها من ديارِها، فيُنْهَوا عن ذلك؟

قيل: ليس الأمرُ في ذلك على ما ظَنَنْتَ، ولكَن نُهُوا عن أن يَقْتُلَ بعضُهم بعضًا، فكان في قتلِ الرجلِ منهم الرجلَ منهم قتلُ نفسِه، إذ كانت مِلَّتُهما [واحدةً، ودينُهما واحدًا، وكأنَّ أهلَ الدينِ الواحدِ في ولايةِ بعضِهم بعضًا] (١) بمنزلةِ رجلٍ واحدٍ، كما قال ﷺ: "إنّما المؤمنون في تَراحُمِهم وتَعاطُفِهم بينَهم بمنزلةِ [الجسدِ الواحدِ] (٢)، إذا اشْتَكَى [منه عُضوٌ] (٣) تدَاعَى له سائرُ الجسدِ بالحُمَّى والسَّهَرِ" (٤).

وقد يجوزُ أن يكونَ معنى قولِه: ﴿لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ﴾ أى: لا يَقْتُلُ الرجلُ منكم [الرجلَ منكم] (٥)، فَيُقادَ به قِصاصًا، فيكونَ بذلك قاتلًا نفسَه؛ لأنه كان الذى سبَّب لنفسِه ما استحقَّتْ به القتلَ، فأُضِيف إليه بذلك قتلُ ولىِّ المقتولِ إياه قِصاصًا بوليِّه، كما يقالُ للرجلِ يَرْكَبُ فعلًا من الأفعالِ يَستَحِقُّ به العقوبةَ فيعاقَبُ (٦): أنت جَنَيْتَ هذا على نفسِك.

وبنحوِ الذى قلنا في ذلك قال أهلُ التأْويلِ.


(١) سقط من: م.
(٢) في ت ٢: "رجل واحد".
(٣) في م "بعضه".
(٤) أخرجه البخارى (٦٠١١)، ومسلم (٢٥٨٦) من حديث النعمان بن بشير، وقد ذكره المصنف هنا بمعناه.
(٥) سقط من: ت ٢.
(٦) بعده في م، ت ١: "العقوبة"، وفى ت ٢: "به العقوبة".