للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ تكريرَ قولٍ لا معنى له؛ وذلك أنه على تأويلِ قولِ مَن قال: معنى ﴿إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾. [إذ أيَّدتُك بالإنجيلِ] (١). إنَّما هو: إذ أيَّدتُك بالإنجيلِ، وإذ علَّمتُك الإنجيلَ. وهو لا يكونُ به مُؤَيَّدًا إلَّا وهو مُعَلَّمُه، فذلك تكريرُ كلامٍ واحدٍ [في آيةٍ واحدةٍ] (٢) مِن غيرِ زيادةِ معنًى في أحدِهما على الآخَرِ، وذلك خُلْفٌ مِن الكلامِ، واللهُ تعالى ذكرُه يَتَعالَى عن أن يُخَاطِبَ عبادَه بما لا يُفِيدُهم به فائدةً.

وإذ كان ذلك كذلك، فبَيِّنٌ فسادُ قولِ مَن زعَم أن الرُّوحَ في هذا الموضعِ الإنجيلُ، وإن كان جميعُ كتبِ اللهِ جلَّ ثناؤه التى أوحاها إلى رسلِه روحًا منه؛ لأنه تحيا بها القلوبُ الميِّتةُ، وتَنْتَعِشُ بها النفوسُ المُوَلِّيةُ، وتَهْتَدِى بها الأحلامُ الضالَّةُ.

وإنما سَمَّى اللهُ جلَّ ثناؤه جبريلَ "رُوحًا" وأضافه إلى "القُدُسِ"؛ لأنه كان بتكوينِ اللهِ له رُوحًا مِن عندِه عن غيرِ ولادةِ والدٍ ولَده، فسمَّاه مِن أجلِ ذلك "روحًا"، وأضافه إلى "القدسِ" -والقدسُ هو الطُّهْرُ- كما سُمِّى عيسى ابنُ مريمَ روحَ اللهِ، مِن أجلِ تكوينِه له رُوحًا مِن عندِه مِن غيرِ ولادةِ والدٍ ولَده.

وقد بيَّنَّا فيما مضَى مِن كتابِنا هذا أن معنى التقديسِ التطهيرُ (٣). والقدسُ الطُّهرُ مِن ذلك.

وقد اخْتَلَف أهلُ التأويلِ في معناه في هذا الموضعِ نحوَ اختلافِهم في الموضعِ الذى ذكرْناه.

حَدَّثَنِي موسي، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّىِّ، قال: القدسُ


(١) سقط من: م.
(٢) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٣) ينظر ما تقدم في ١/ ٥٠٥ وما بعدها.