للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللهِ: ﴿كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ [البقرة: ١٠٩] قال: قد تَبَيَّنَ لهم أنه رسولُ اللهِ، فمِن هنالك نَفَع اللهُ الأوسَ والخزرجَ بما كانوا يَسْمَعون منهم أن نبيًّا خارجٌ.

فإن قال لنا قائلٌ: فأين جوابُ قولِه: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ﴾؟ قيل: قد اختلف أهلُ العربيةِ في جوابِه؛ فقال بعضُهم: هو مما تُرِك جوابُه استغناءً بمعرفةِ المخاطَبين به بمعناه وبما قد ذُكِر من أمثالِه في سائرِ القرآنِ، وقد تفعَلُ العربُ ذلك إذا طال الكلامُ، فتأتى بأشياءَ لها أجوبةٌ فتَحْذِفُ أجوبتَها لاستغناءِ سامعيها بمعرفتِهم بمعناها عن ذكرِ الأجوبةِ، كما قال جل ثناؤُه: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى﴾ [الرعد: ٣١]. فترَك جوابَه. والمعنى: ولو أن قرآنًا سوى هذا القرآنِ سُيِّرَتْ به الجبالُ لَسُيِّرَتْ بهذا القرآنِ. [فترَك قولَه: لسُيِّرَتْ بهذا القرآنِ] (١). استغناءً بعلمِ السامعين بمعناه. قالوا: فكذلك قولُه: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ﴾.

وقال آخرون: جوابُ قولِه: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾. في "الفاءِ" التى في قولِه: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾. وجوابُ الجزاءَيْن في ﴿كَفَرُوا بِهِ﴾. كقولِك: لما قُمْتَ فلما جِئْتَنا أحسَنْتَ. بمعنى: لما جِئْتَنا إذ قُمْتَ أحسنْتَ.

القولُ في تأويلِ قوله: ﴿فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (٨٩)﴾.

قد دلَّلْنا على معنى "اللعنةِ" وعلى معني "الكفرِ" فيما مضَى بما فيه الكفايةُ (٢).


(١) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٢) ينظر معنى "اللعنة" في ص ٢٣١، وتقدم معنى الكفر في ١/ ٢٦٢.