للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ: كانت جماعةٌ من عبادى، وهم أهلُ الإيمانِ باللهِ، يقولون في الدنيا: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا﴾ بك وبرسلِك (١)، وما جاءوا به من عندِك، ﴿فَاغْفِرْ لَنَا﴾ ذُنُوبَنَا ﴿وَارْحَمْنَا [وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾. يقولُ] (٢): وأنت خيرُ من رحِم أهلَ البلاءِ، فلا تعذِّبْنا بعذابِك.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (١١١)﴾.

يقولُ تعالى ذكرَه: فاتخذتُم أيُّها القائلون لربِّهم: ﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ﴾. في الدنيا، القائلين فيها: الله ﴿إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ - سِخْريًّا.

والهاءُ والميمُ في قولِه: ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ﴾. من ذكرِ "الفريق".

واختلفتِ القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿سِخْرِيًّا﴾؛ فقرأه بعضُ قرأةِ الحجازِ، وبعضُ أهلِ البصرةِ والكوفةِ: ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا﴾، بكسرِ السينِ (٣)، ويتأوَّلون في كسرِها أن معنى ذلك الهُزْءُ، ويقولون: إنها إذا ضُمَّت، فمعنى الكلمةِ: السُّخْرةُ والاستعبادُ. فمعنى الكلامِ على مذهبِ هؤلاء: فاتخذتم أهلَ الإيمانِ بي في الدنيا هُزُوًا ولعبًّا، تهزءون بهم، حتى أنسَوْكم ذكرى.

وقرأ ذلك عامةُ قرأةِ المدينةِ والكوفةِ: ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا﴾. بضمِّ السينِ (٤)، وقالوا: معنى الكلمةِ في الضمِّ والكسرِ واحدٌ.

وحكى بعضُهم (٥) عن العربِ سماعًا لجِّيٌّ ولِجِّيٌّ، ودُرِّيٌّ ودِرِّيٌّ، منسوبٌ


(١) في ت ٢: "برسولك".
(٢) سقط من: ص، م، ف.
(٣) هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وابن عامر. ينظر السبعة لابن مجاهد ص ٤٤٨.
(٤) هي قراءة نافع وحمزة والكسائي. المصدر السابق.
(٥) هو الكسائي، كما في معاني القرآن للفراء ٢/ ٢٤٣.