للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَنْتَاهُ (١)، أوَ لم تسمَعى ما قال؟ قلتُ: وما قال؟ فأخبرَتني بقولِ أهلِ الإفكِ، فازدَدتُ مَرَضًا على مرضى، فلما رجَعتُ إلى منزِلي، ودخَل عليَّ رسولُ اللَّهِ ، ثم قال: "كَيْفَ تِيكُمْ؟ ". قلتُ: أتأْذنُ لي أن آتِيَ أبويَّ؟ قال: "نعم". قالت: وأنا حينَئذٍ أريدُ أن أتيقَّنَ (٢) الخبرَ من قِبَلِهما. فأذِن لي رسولُ اللَّهِ ، فجئتُ أبويَّ، فقلتُ لأمِّي: أي أمَّتاه، ماذا يتحدثُ الناسُ؟ فقالت: أي بُنيةُ، هوِّني عليك، فواللَّهِ لقلَّما كانت امرأةٌ قطُّ وضيئةً عندَ رجلٍ (٣) يحبُّها ولها ضرائرُ، إلا أكثَرْن عليها. قالت: قلت: سبحانَ اللَّهِ، أَوَ قد تحدَّث الناسُ بهذا، وبلَغ رسولَ اللَّهِ ؟ قالت: نعم. قالت: فبكَيتُ تلك الليلةَ حتى أصبَحتُ، لا يرقأُ لى دمعٌ، ولا أكتحِلُ بنومٍ، ثم أصبَحتُ، فدخَل عليَّ أبو بكرٍ وأنا أبكِي، فقال لأمى: ما يُبكيها؟ قالت: لم تكنْ علِمَت ما قيل لها. فأكبَّ يبكِي، فبكَى ساعةً، ثم قال: اسكُتى يا بنيةُ. فبكَيتُ يومى ذلك، لا يرقأُ لى دمعٌ، ولا أكتحِلُ بنومٍ، ثم بكَيتُ ليلِىَ المقبِلَ لا يرقأُ لى دمعٌ، ولا أكتحلُ بنومٍ، [ثم بكَيتُ ليلتيَ المقبلةَ، لا يرقأُ دمعى (٤)، ولا أكتحلُ بنومٍ] (٥)، حتى ظنَّ أبواىَ أن البكاءَ سيفلِقُ كبِدى.

فدعا رسولُ اللَّهِ عليَّ بنَ أبي طالبٍ وأُسامةَ بنَ زيدٍ حينَ استلْبَث الوحيُ (٦)، يستشِيرُهما في فراقِ أهلِه. قالت: فأما أُسامةُ فأشار على رسولِ اللَّهِ بالذي يعلمُ من براءةِ أهله، وبالذى في نفسِه من الودِّ، فقال: يا رسولَ اللَّهِ، وهم


(١) ياهنتاه، أي: يا هذه، وتفتح النون وتسكن، وتضم الهاء الآخرة وتسكن، وقيل: معنى ياهنتاه: يا بلهاء، كأنها نسبت إلى قلة المعرفة بمكايد الناس وشرورهم. النهاية ٥/ ٢٧٩، ٢٨٠.
(٢) في م: "أستثبت"، وفي ت ١: "أستيقن".
(٣) في ت ٢: "زوجها وهو".
(٤) في م، ف: "لى دمع".
(٥) سقط من: ت ١.
(٦) استلبث الوحى: هو استفعل، من اللبث أي الإبطاء والتأخر. النهاية ٤/ ٢٢٤.