للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأولَى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ أن يقالَ: إن اللَّهَ عمَّ بقولِه: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ كلَّ بيتٍ لا ساكنَ به (١)، لنا فيه متاعٌ، ندخلُه (٢) بغيرِ إذنٍ؛ لأنَّ الإذنَ إنما يكونُ ليؤْنَسَ المأذونُ عليه قبلَ الدُّخولِ، أو ليأذَنَ للداخلِ إن (٣) كان له مالكًا، أو كان فيه ساكنًا. فأما إن كان لا مالكَ له فيُحتاجَ إلى إذنِه لدخولِه، ولا ساكنَ فيه فيَحتاجَ الداخلُ إلى إيناسِه والتسليمِ عليه؛ لئلا يَهْجُمَ على ما لا يُحبُّ رؤيتَه منه - فلا معنَى للاستئذانِ فيه. فإذ كان ذلك، فلا وجهَ لتخصيصِ بعضِ ذلك دونَ بعضٍ، فكلُّ بيتٍ لا مالكَ له ولا ساكنَ من بيتٍ مبنيٍّ ببعضِ الطُّرقِ للمارَّةِ والسابِلةِ ليَأْوُوا إليه، أو بيتٍ خرابٍ قد باد أهلُه ولا ساكنَ فيه حيثُ كان ذلك، فإن لَمن أراد دخولَه أن يَدخُلَ بغيرِ استِئْذانٍ لمتاعٍ له يؤويه إليه، أو للاستِمتاعِ به لقضاءِ حقِّه؛ مِن بولٍ أو غائطٍ أو غيرِ ذلك. وأما بيوتُ التُّجارِ، فإنه ليس لأحدٍ دخولُها إلا بإذنِ أربابِها وسكانِها.

فإن ظنَّ ظانٌّ أن التاجرَ إذا فتَح دُكَّانَه وقعَد للناسِ فقد أذِن لمَن أراد الدخولَ عليه في دُخولِه، فإنَّ الأمرَ في ذلك بخلافِ ما ظنَّ، وذلك أنه ليس لأحدٍ دخولُ ملكِ غيرِه بغيرِ ضرورةٍ ألجَأتْه إليه، أو بغيرِ سببٍ أباح له دُخولَه إلا بإذنِ ربِّه، لا سيَّما إذا كان فيه متاعٌ، فإن كان التاجرُ قد عُرِف منه أن فتحَه حانوتَه إذنٌ منه لمَن أراد دخولَه في الدخولِ، فذلك بَعْدُ راجعٌ إلى ما قلنا مِن أنه لم يَدخلْه مَن دخلَه إلا بإذنِه. وإذا كان ذلك كذلك، لم يكنْ مِن معنَى قولِه: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "له".
(٢) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ف.
(٣) في ص، ف: "إذ"، وفى ت ٢: "إذا".